صيدنايا.. قلعة الأسرار – الحذاء المفقود

مذكرات سجان في صيدنايا – الجزء الثاني والثلاثون:

يوماً بعد يوم تتكشف المزيد من الأسرار عن ذلك المكان الأكثر رعباً بين السجون، والتي كانت ستبقى مخفية عن العلن لولا وجود بعض الأشخاص الذين يهمهم فضح جرائم هذا النظام القاتل.

أحد عناصر الشرطة العسكرية كان شاهداً على فظائع وقعت في سجن صيدنايا منذ العام 2007 وحتى منتصف العام 2009. واستكمالاً لسلسلة القصص التي نشرناها عن ذلك المكان، ما زالت هناك الكثير من حكايا الرعب التي لم يعرفها إلا القليل.

يقول شاهدنا: “بعد أن تم نقل المعتقلين من سجن صيدنايا إلى سجن عدرا، كنت أحد العناصر الذين تم نقلنا إلى سجن عدرا للإشراف على وضع المعتقلين، وبعد عدة أيام قمنا بتعليم عناصر شرطة السجن كيف يتعاملون مع هؤلاء المعتقلين، ثم عدنا إلى سجن صيدنايا، وفي اليوم التالي طلبني مدير مكتب العميد طلعت محفوض إلى مكتبه؛ كان هناك كل من (اللواء منير أدانوف، طلعت محفوض، والرائد منذر سلامي ) ثم طلب مني الرائد منذر البحث بين أغراض المعتقلين عن حذاء (صندل) نوع فلين عليه علامة X مرسومة بمزيل حبر، وكانت الأغراض قد تم الاحتفاظ بها في مستودعات المهمات حيث إنه لم يسمح للمعتقلين بأخذ شيء معهم.

بدا الأمر في غاية الأهمية حيث قالوا لي سنوفر لك كل شيء وخذ معك عدداً من السجناء العسكريين لمساعدتك وعليكم بالبحث من الصباح حتى المساء لمدة خمسة أيام، سنقدم لكم كل شيء، وتم تزويدي بجهاز لاسلكي للتواصل معهم، كانت الأغراض كثيرة وتحتاج أياماً للبحث فيها، بدأنا البحث وكان الضباط على تواصل مستمر معي ويقومون بزيارتي عدة مرات في اليوم.

أمرت السجناء وعددهم 35 بجلب كل حذاء يجدونه، وكنت أتفحص كل قطعة بشكل دقيق بحثاً عن العلامة. انتهى اليوم الأول دون أن نجد الحذاء المطلوب ثم تابعنا في اليوم الثاني أيضاً دون جدوى، ثم قالوا لي إذا أردت المزيد من السجناء للبحث تستطيع جلب المزيد، لكن اكتفيت بالموجودين، وأعطوني مهلة جديدة لمدة يومين، وتابعنا البحث حتى اليوم الثامن دون أية نتيجة، وفي اليوم التاسع جاء أحد السجناء وقال أنه وجد الحذاء المطلوب، وعندما رأيته كان فعلاً هو ما نبحث عنه.

ولأن الفضول لدي كان كبيراً لمعرفة سبب أهمية هذا الحذاء، لم أقم بإبلاغ الضباط أننا وجدناه، وأمرت السجناء بمتابعة البحث، تفحصت الحذاء وكان فيه ثقب صغير فقمت بفتحه فوجدت ستة كروت ذاكرة للموبايل، فأيقنت أن الأمر ذو أهمية كبيرة، فقمت بإعادة الكروت إلى الحذاء ولصقه وقمت بإخبار الضباط أننا وجدناه، فأرسلوا إلي سيارة وذهبت إليهم، وعندما أعطيتهم الحذاء قاموا بفتحه فوجدوا كروت الذاكرة وبدا عليهم السرور، ثم وأمروا لي بمكافأة مقدارها سبعة آلاف ليرة.

كنت مدركا أن محتوى هذه الذواكر مهم للغاية ولكن لم أعرف مدى أهميتها حتى التقيت بأحد المعتقلين منذ عدة سنوات وتذكرنا أيام الأحداث التي وقعت في 2008 وأخبرني أنه تم تصوير وتوثيق كل شيء من وثائق وعمليات قتل قامت بها قوات الأمن وما قام به بعض المعتقلين من قتل المتهمين بالتعامل مع مدير السجن على كروت الذاكرة، لكنها وبسبب الخيانة تم العثور عليها، فضاع كل شيء يدين نظام الأسد في تلك الأحداث.