مذكرات سجان في صيدنايا – الجزء السابع
مشيت مع الرقيب ثم نزلنا على درج في الجهة الشرقية ثم بدأ المكان يصبح معتماً حتى وصلنا إلى مكان قليل الإضاءة ورائحة الرطوبة تملأ المكان، قال لي: هذه هي الزنزانات.
مصارف المياه كانت فوق رؤوسنا، كانت الزنزانات تتوزع على اليمين وعلى اليسار بطول المبنى من الجهة الشرقية، جميع الأبواب مغلقة والهدوء يخيم على المكان ويبعث الخوف فيه، وصلنا إلى نهاية الممر، كانت هناك فسحة على اليسار وفيها مجندان اثنان، طلب منهما الرقيب أن يؤمنا لي مكاناً لأنام فيه، فقالا أنه يمكن أن أنام على سرير أحدهما لأنهما لن يناما هذه الليلة، “علي سليمان” من اللاذقية والآخر “عصام” من حمص كانا هما المشرفين على هذه الزنزانات، من خلال الحديث معهما تبين أنه ليست كل الزنزانات فيها معتقلين بل كان هناك ثلاثة أو أربعة فقط.
ثم قال أحدهما “حظك حلو اليوم في حفلة” تفاجأت من هذه الكلمة، حفلة في هذا المكان؟ كيف يكون ذلك؟ فأجاب “إعدام” هنا أصابني الذهول، لم يكن خوفاً من واقعة الإعدام بقدر ما كنت أفكر كيف سأكون شاهداً على هذا الفعل وفي أول ليلة لي في الداخلية. لم أكن أتوقع أن يتم الإعدام في هذا السجن وفي هذا المكان بالذات. سألتهم عن مكان تنفيذ الإعدام، كانت غرفة في أول الممشى مغلقة وبابها باتجاه الممر لجهة الزنزانات.
بدأت الوساوس تدخل رأسي.. هل من المعقول أن أبدأ خدمتي بهذا الحدث؟ لم أعد اجرؤ على السؤال أكثر من ذلك.
كانت الزنزانات هي آخر ما يراه المعتقل المحكوم بالإعدام أو يحس به، فقد كان يتم وضعه في الزنزانة بعد صدور الحكم دون أن يرى ما حوله معصوب العينين ويمضي فيها بضعة أيام ثم يتم تنفيذ الحكم فيه. لم يكن النوم سهلاً تلك الليلة، كنت متأكداً أنني سأشهد هذا الحدث، كيف لا وغرفة الإعدام لا تبعد سوى بضعة أمتار، ولكن التعب كان أقوى من الأفكار فاستسلمت للنوم ولم استيقظ حتى الصباح.
كانت أول فكرة تأتي على بالي كيف سيكون الإعدام؟ ظننت أن الأمر لم يتم أو أنه تأجل.. وعندما سألتهما أجابا “خلصت الحفلة” نعم.. لقد تم الأمر قبل شروق الشمس دون ضجيج ودون أن أكون شاهداً على قتل إنسان وبذلك أكون قد تجاوزت أصعب ليلة.
صعدت إلى الطابق الأرضي وكل همي أن أهرب من هذا المكان، كان المكان يضج بالحركة من قبل العناصر وصف الضباط وكان يتم جمع الطعام في ساحة المسدس ليتم تقسيمه حسب الكمية على عدد المعتقلين، كان السجن مجهزاً بكل شيء… فرن ومطبخ ومغسل ومخزن.. بدأنا بتوزيع الطعام على الأجنحة، كان السجن مؤلفاً من ثلاثة طوابق ومقسماً إلى ثلاثة أقسام؛ كلّ قسم يضم جناحين؛ يمين ويسار، القسم الجنوبي كان يسمى أجنحة (أ) والشرقي (ب) والشمالي (ج) وكل جناح يتألف من عشرة غرف يتم فتحها في الساعة السادسة صباحاً، نقوم بإدخال الطعام إلى الجناح ليقوم المعتقلون بتوزيعه بينهم، لم تكن كل الأجنحة فيها معتقلين فالطابق الأول كان مخصصاً للسجناء من العسكريين الذين يرتكبون جرائم، وكان هناك جناح على اليسار يسمى جناح الضباط وفيه الضباط الذين يرتكبون جرائم في خدمتهم، أما الطابق الثاني كان شبه فارغ باستثناء بعض الأجنحة والغرف، وفي الطابق الثالث كانت كل الأجنحة تزدحم بالمعتقلين..
… يتبع
لقراءة الجزء الأول: صيدنايا.. قلعة الأسرار – أول مشاهد الرعب / مذكرات سجان في صيدنايا – الجزء الأول
لقراءة الجزء الثاني: صيدنايا.. قلعة الأسرار – تحطم الآمال / مذكرات سجان في صيدنايا – الجزء الثاني
عذراً التعليقات مغلقة