صيدنايا.. قلعة الأسرار – أول مشاهد الرعب

مذكرات سجان في صيدنايا - الجزء الأول

وليد أبو همام14 ديسمبر 2017آخر تحديث :
وليد أبو همام

مذكرات سجان في صيدنايا – الجزء الأول

عندما سمعنا بالسجن العسكري الأول تخيلناه كبقية السجون التي نراها في التلفزيون أو نسمع عنها.

كنا ثلاثة.. نحن الذين جاء فرزنا للخدمة في هذا السجن الشهير بسمعته المرعبة، إثنان برتبة رقيب أول، والثالث برتبة رقيب.

انطلقنا معاً في “السيرفيس” ونحن نتخيل هذا المكان طول الطريق، توقف السائق على بعد خمسين متراً من باب السجن، لأنه كان ممنوعاً الوقوف أمامه، نزلنا نحمل أمتعتنا وما تبقى لنا من ذكريات الحياة المدنية، لم نكن نعرف أننا سنتخلى عن كل شيء عند هذا الباب، عند دخولنا وجدنا رقيبين مناوبين على الباب الرئيسي، كانت هذه اللحظة أشبه بأول يوم التحقنا فيه بالخدمة العسكرية، سألونا عن أسمائنا ومن أي منطقة ينحدر كل واحد منا، وبدأوا بتفتيش ما نحمله من أمتعة، قالوا إن كل شيء مدني ممنوع، فأخرجوا الملابس المدنية ووضعوها في خزانة، وقال أحدهم: “بس تطلعوا مغادرة تاخدوهن”، قلت ببراءة: “عندي جوال، كمان ممنوع؟”. فنظروا إلى بعضهم و ضحكوا بسخرية، فأخرجت هاتفي الجوال وتركته عندهم.

خرجنا من الغرفة، ولم نلاحظ وجود أي بناء يدل على أنه سجن، فقط ثلاثة غرف صغيرة وطريق طويل يصعد صوب تلّة عالية، حملنا أغراضنا وقد تكسرت أولى أحلامنا، ورحنا نمشي بصمت وذهول، كانت المسافة طويلة، وما لبثت أن بدأت تنكشف لنا تلك القلعة الشامخة!

وصلنا إلى باب ثانٍ كبير، لكن لم يوقفنا أحد من الحراس، تابعنا طريقنا إلى قسم “الذاتية”، وسلمنا أوراقنا لمساعد الذاتية، بعد انتهائه من التسجيل حمل مصنفاً وطلب منا مرافقته، تبعناه ونحن نتفحص المكان، وصلنا إلى باب ثالث وسور، كان هناك مساعد، سألنا: “وين رايحين؟”. أجابه مساعد الذاتية: “لعند العقيد”. فدخل إلى الغرفة ورفع السماعة ثم فتح لنا الباب، دخلنا إلى السور الثاني وقد بان السجن بكامله، كان منظره مخيفاً وزاد من حدة خوفنا شدّة الإجراءات الأمنية فيه، مبنى إدارة السجن ملاصق للسجن، دخلنا إلى غرفة مدير مكتب مدير السجن، وانتظرنا إذن الدخول، ثم طلب منا الدخول، عندها بدأت أجسامنا ترتجف على نحو واضح، والأسئلة تدور في مخليتنا الخائفة: من هذا الشخص الذي يحكم هذه القلعة؟

كان يجلس خلف مكتبه، ضابط يبدو عليه الرزانة والقوة، “علي خير بك”، يحمل رتبة عقيد، وهو من منطقة مصياف في الريف الجنوبي الغربي لمحافظة حماة، “علي خير بك” هذا الاسم كان يسبب الرعب للكثيرين.

كان عنده ضابط من الجيش برتبة رائد، يبدو كضيف، وقفنا باستعداد، لم يسأل مساعد الذاتية أي شيء ويبدو أنه كان يعرف بقدومنا، ثم نظر إلي وسألني عن اسمي، عندما اجبته قال مستنكراً : “هيك علموكم تقدموا اسمكن؟”، عندها أعدت تقديم اسمي مع التحية العسكرية، ثم سألني: “من وين انت؟”، أجبته: “من ريف حماة”، هذا كان جوابي دائماً في كل الأحوال، تجنباً لأن أقول إني من حماة، فيغضب علي، كنت أظن أن مدينة حماة هي الوحيدة المغضوب عليها، ثم سألني عن مكان شعبة تجنيدي فقلت إنها “السلمية”، فكرر السؤال مرة ثانية، فقلت: “السلمية”، وكأنه ينتظر جواباً محدداً، وعندما تأكد أن هذا هو جوابي النهائي نظر إلى زميلي الآخر وسأله عن اسمه، كان هذا الشخص من اللاذقية، ثم سأله عن شخص، فأجابه أنه من العائلة، فقال له: “تعرف شو بيشتغل؟”، فقال نعم، فهز رأسه بصمت.

تقينت عندها أن زميلنا سيكون له “واسطة قوية” بعد أن سأله عن هذا الشخص، ولكن فيما بعد أخبرني زميلي أن قريبه المقصود هو سجين في صيدنايا بتهمة سياسية.

زميلي الثالث عرف عن نفسه، وكان من دمشق.

وبأمر من قائد السجن، خرجنا من المكتب برفقة مساعد الذاتية.

انتهى لقاؤنا الذي لم يتجاوز 10 دقائق، ولم نكن نعرف بأن باقي خدمتنا مرهونة بهذا اللقاء.

بعد ذلك صادفت الضابط الذي كان جالساً عند مدير السجن، سألني عن اسمي ومن أي منطقة بالتفصيل، فاخبرته بأني من قرية بعيدة عن السلمية فقال لي: “ليش ما خبرت العقيد هيك؟”، تذرعت بأني لم أفهم قصد سؤال العقيد بالتحديد، وأدركت عندها أن العقيد كان يعتقد أني من أبناء الطائفة الإسماعيلية، وأن الطائفية لها دور كبير في رضا مدير السجن.

…. يتبع

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل