صيدنايا.. قلعة الأسرار – الملازم عادل

وليد أبو همام1 مارس 2018آخر تحديث :
وليد أبو همام

مذكرات سجان في صيدنايا – الجزء الثاني عشر

في أحد الأيام جلبت إحدى الدوريات الأمنية معها شخصاً تم إدخاله إلى الداخلية وكان معصوب العينين وحالته يرثى لها ويبدو عليه أنه كان يقف بصعوبة، كان نحيفاً لدرجة كبيرة كحال كثير ممن يأتون من الأفرع الأمنية، وكالعادة لم يوفر الرقباء وبعض المجندين جهودهم في ممارسة وحشيتهم على هذا الشخص العاجز ثم تم نقله إلى الطابق الثاني إلى الجناح (أ) يمين وكان هذا الجناح فارغاً إلا الغرفة العاشرة في آخر الجناح فكان فيها حوالي عشرة معتقلين. أذكر أن أحدهم كان من مدينة تلبيسة وسمعت أنه قام بقتل أحد المعتقلين وكان هؤلاء يعتبرون من الخطرين على باقي السجناء.

تم وضع هذا المعتقل الجديد في الغرفة الثانية وكانت خالية من كل شيء وضع له بطانية فقط، وعند الظهر تم توزيع الطعام وكان هذا الشخص نائماً إلى جانب الحائط وكأنه جثة هامدة، عندما سألت عنه عرفت بأنه متهم بقتل ضباط في الجيش وأنه سيتم إعدامه قريباً.

في اليوم التالي عند توزيع الفطور رأيت طعام البارحة ما زال كما هو وحتى أن المعتقل لم يتحرك من مكانه هنا ظننت أنه قد مات فضربت الباب حتى أعرف حالته فتحرك ولكنه لم ينهض فسألته لماذا لا يأكل فلم يجب، هنا تركته وتابعت عملي. مرت عدة أيام منذ إحضار هذا المعتقل وحاله لم يتغير ولكن كان قد بدأ يأكل إلا أنني في كل مرة أزور الطابق الثاني أراه نائماً.

في إحدى المرات كنت ذاهباً إلى الطابق الثاني للغرفة العاشرة فبدأ المعتقل ينادي عليّ فتوجهت إلى باب غرفته وفتحت الفتحة الصغيرة في الباب، كان واقفاً عند الباب وهذه أول مرة أراه يقف ويتكلم منذ أن جلبوه فسألته ماذا يريد فقال لي: “أخبر مدير السجن بأن الملازم عادل يريد رؤيتك لأمر ضروري” فقلت له سأخبر مدير السجن بذلك، وفعلاً أخبرت المساعد وائل بذلك ولكن تفاجأت بعدم إهتمامه وقال لي “اتركو شو بدك منو”. في اليوم التالي عندما سمع الملازم عادل صوتي في الجناح ايضاً ناداني وسألني هل أخبرت مدير السجن فقلت له بأني أخبرت المسؤول وهو سيخبره وكان يلحّ علي بأن أسرع بإخباره هنا أدركت بأن الأمر مهم جداً فأخبرت المساعد وائل مرة ثانية بضرورة مقابلة هذا الشخص فقال لي “خلص أنا بشوفو”.

بعد ذلك يبدو أنه لم يقابل أحد لأنه في كل مرة يسمع صوتي يناديني فصرت أتحاشى الذهاب لذلك الجناح لأني لن أستطيع أن أقدم لهذا الشخص أكثر من ذلك وبأنني فعلت ما يتوجب علي.

كان نظام تسجيل المعتقلين في السجلات حسب الإسم وعند خروجهم يكتب بجانب اسمه (إخلاء سبيل) هذا بالنسبة للمعتقلين العسكريين أما المعتقلون الأمنيون فكان يكتب بجانب اسمائهم (إنهاء علاقة) ولكن هذه العبارة كانت تكتب أيضاً في حالة الإعدام. وفي أحد الأيام بينما كنت اتصفح السجل تفاجأت بوجود إسم الملازم عادل وبجانبه عبارة (إنهاء علاقة) فلم أعرف ماذا حلّ به هل تم إخراجه من السجن أم تم إعدامه ولكن بقيت صورته ولهفته على مقابلة مدير السجن تشغل تفكيري وأحسست بأني كان من المفروض أن أخبر مدير السجن بشكل مباشر. بعد ذلك نسيت أمره ومرّ حوالي شهرين على هذا الموضوع.

و في أحد الأيام كنت في كراج حمص انتظر الباص حتى ألتحق بالخدمة وبينما أنا أقف بجانب الباص رأيت ضابطاً برتبة ملازم أول يضع نظارات شمسية ويحمل حقيبة بيده ثم بدأ ينظر إليّ بشكل غريب، في أول الأمر اعتقدت أنه كباقي أفراد الجيش عندما يرى أحداً من أفراد الشرطة العسكرية، ولكن هذا الشخص لم يرفع نظره عنّي ثم توجه إلي، هنا أدركت بأن هذا الضابط يعرفني فسلم علي وقال لي هل تذكرني؟ نظرت إليه وحاولت التذكر لكن لم أعرفه مطلقاً فقال لي (سجن صيدنايا ) هنا أدركت بأنه كان أحد الضباط المعتقلين ولكن لم أتذكر من يكون، اقترب مني أكثر وقال “الملازم عادل” انبهرت لسماع هذا الاسم وخاصة أن هذا الواقف أمامي يختلف بشكل كبير عن ذلك الذي كان في المعتقل فقطع أفكاري وقال “شفت شو صار معي كان رحت إعدام بس الحمدلله طلعت براءة” لم أعرف ماذا أجيبه فأخرج ورقة وقلم وكتب رقمه وقال لي “هذا رقمي إذا احتجت أي شيء أنا جاهز” فسألته عن مكان خدمته فرفض وقال أنه يخدم في مكان حساس وشكرته ثم ذهب.

ارتحت كثيراً بعد أن عرفت مصير هذا الشخص وبأنه قد خرج و عاد لخدمته.. صعدت إلى الباص وأخرجت الورقة وقمت بتمزيقها لأنني كنت أعرف أنّي لن اتصل به مهما حدث فذلك قد يسبب لي مشاكل كثيرة.

لقراءة الجزء الأول: صيدنايا.. قلعة الأسرار – أول مشاهد الرعب / مذكرات سجان في صيدنايا – الجزء الأول

لقراءة الجزء الثاني: صيدنايا.. قلعة الأسرار – تحطم الآمال / مذكرات سجان في صيدنايا – الجزء الثاني

لقراءة الجزء الثالث: صيدنايا.. قلعة الأسرار – الخدمة في سرية الحراسة / مذكرات سجان في صيدنايا – الجزء الثالث

لقراءة الجزء الرابع: صيدنايا.. قلعة الأسرار – الانتفاضة الأولى / مذكرات سجان في صيدنايا – الجزء الرابع

لقراءة الجزء الخامس: صيدنايا.. قلعة الأسرار – مصاعب في السرية / مذكرات سجان في صيدنايا – الجزء الخامس

لقراءة الجزء السادس: صيدنايا.. قلعة الأسرار – الانتقال إلى الداخلية / مذكرات سجان في صيدنايا – الجزء السادس

لقراءة الجزء السابع: صيدنايا.. قلعة الأسرار – الزنزانات / مذكرات سجان في صيدنايا – الجزء السابع

لقراءة الجزء الثامن: صيدنايا.. قلعة الأسرار – وصف السجن من الداخل / مذكرات سجان في صيدنايا – الجزء الثامن

لقراءة الجزء التاسع: صيدنايا.. قلعة الأسرار – أصناف التعذيب / مذكرات سجان في صيدنايا – الجزء التاسع

لقراءة الجزء العاشر: صيدنايا.. قلعة الأسرار – سياسة جديدة / مذكرات سجان في صيدنايا – الجزء العاشر

لقراءة الجزء الحادي عشر: صيدنايا.. قلعة الأسرار – الجناح العرفي / مذكرات سجان في صيدنايا – الجزء الحادي عشر

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل