مذكرات سجان في صيدنايا – الجزء الخامس عشر
بعد كل ما حدث معي في الداخلية يبدو أنها كانت علامات على اقتراب نهاية خدمتي في ذلك القسم، وفي أحد الأيام بدأت تحصل أمور غريبة لم نعرف سببها ولكنها قلبت الأوضاع رأساً على عقب. حيث بدأ العقيد بطلب صف الضباط وأولهم المساعد عمر ثم تم نقله إلى السرية ولم نعرف السبب، وقد كنا سابقاً نظن أنه من المستحيل أن يتم نقله من الداخلية، ثم طلب عدداً من الرقباء المتطوعين ونقل بعضهم أيضاً.
أصبح الجميع في حيرة يملؤها الخوف مما يحصل والكل ينتظر دوره ليعرف مصيره، لم يكن الخوف من الانتقال إلى السرية بل من سبب النقل، هنا جاء إلي أحد الرقباء وقال لي بأن الرائد منذر يطلبك؛ ذهبت إليه وأنا ارتقب تهمة كبيرة قد تلحق بي فقال: “أنت إنسان جيد أنزل على السرية وشوف وين بدك تخدم”، لم يقل لي إلا هذه الجملة فزال كل الخوف وانقلب إلى سرور كوني لم أتعرض لتهمة ولأنني سأنتقل من هذا الجحيم، توجهت مباشرة إلى المهجع وبدأت أجمع أغراضي فلحق بي المساعد وائل وسألني عما حدث معي فقلت له تم نقلي إلى السرية، وغضب المساعد وائل وقال لي “لا تنزل أنا رح شوف العقيد” لكنها كانت فرصة لي لن تتكرر فحملت أغراضي وأسرعت بالذهاب إلى السرية قبل أن يقوم المساعد وائل بتغيير الأمر.
وصلت إلى المساعد مصطفى وكان كل جنود السرية مستغربين من هذه التغييرات المفاجئة التي لم يكن عندي تفسير لها. سألني المساعد مصطفى أين أريد أن أخدم، فقلت له أريد الخدمة على الباب الرئيسي، وفعلاً ذهبت للباب الرئيسي الذي كان يعتبر متنفساً مقارنة مع الداخلية، فهو ملاصق للطريق العام وبعيد عن السجن ولم تكن الخدمة فيه صعبة، فعدد صف الضباط هناك كبير ولكن بعد فتح باب الزيارات أصبح ضغط العمل كبيراً فكان يأتي في اليوم مئات الأشخاص لزيارة أقربائهم المعتقلين وكان يتوجب علينا تسجيل جميع الأسماء وتفتيش الأشخاص والأغراض.
معظم الزيارات التي كانت تأتي كانت للمرة الأولى بعد السماح للمعتقلين بالزيارة وبعد أن عرف أقرباؤهم بوجودهم في هذا السجن، فالكثير من المعتقلين لم يكن أحد يعلم بوجودهم بسبب الإجراءات الأمنية المشددة وعدم عرضهم على المحكمة، وحتى بعد السماح بالزيارات كان هناك بعض الأشخاص لا يسمح بزيارتهم والبعض كان قد تم إعدامه فتأتينا الأوامر بأن نخبر أهلهم بأنهم غير موجودين.
كان ممنوعاً إدخال أي شيء من قبل الزائرين باستثناء الأشياء البسيطة وكانت التعليمات صارمة فيما يتعلق بموضوع التأكد من شخصيات الزائرين والتفتيش وكان ذلك يشكل رعباً لنا خوفاً من تمكن أحد الزائرين من إدخال أي شيء فيقع الغضب كله على رؤوسنا.
لقراءة الجزء الأول: صيدنايا.. قلعة الأسرار – أول مشاهد الرعب / مذكرات سجان في صيدنايا – الجزء الأول
لقراءة الجزء الثاني: صيدنايا.. قلعة الأسرار – تحطم الآمال / مذكرات سجان في صيدنايا – الجزء الثاني
لقراءة الجزء السابع: صيدنايا.. قلعة الأسرار – الزنزانات / مذكرات سجان في صيدنايا – الجزء السابع
لقراءة الجزء التاسع: صيدنايا.. قلعة الأسرار – أصناف التعذيب / مذكرات سجان في صيدنايا – الجزء التاسع
لقراءة الجزء العاشر: صيدنايا.. قلعة الأسرار – سياسة جديدة / مذكرات سجان في صيدنايا – الجزء العاشر
عذراً التعليقات مغلقة