الشفافية منهج دولة.. ودروس من حادثة حمص الأخيرة

فريق التحرير13 ديسمبر 2025آخر تحديث :
الشفافية منهج دولة.. ودروس من حادثة حمص الأخيرة
نزار الطويل صحفي وباحث في السياسة المجتمعية

شهدت محافظة حمص خلال الأيام الماضية حدثًا مؤلمًا هزّ المجتمع، وفتح الباب واسعًا أمام الشائعات والانفعالات والتأويلات، قبل أن تتمكن وزارة الداخلية من تقديم رواية دقيقة وواضحة حول ملابسات الجريمة ودوافعها.

 وقد جاءت إجراءات وزارة الداخلية، ممثلة بظهور المتحدث الرسمي السيد نور الدين البابا، لتضع الأمور في مسارها الصحيح، ولتؤدي دورًا جوهريًا في تطويق التوتر وتعزيز الاستقرار المجتمعي.

ومع أهمية الشفافية التي انتهجتها الوزارة، يبقى من الضروري الإشارة إلى جانب قانوني وإنساني مهم يتعلق بـ “ذكر الاسم الصريح للمتهم قبل صدور حكم قضائي قطعي”، فالأعراف القانونية الدولية تعتمد مبدأ “عدم التشهير قبل الإدانة”، ليس حمايةً للجاني، بل حمايةً لسير التحقيق وصونًا للأسرة والمجتمع من الوصم المسبق، وفي هذا السياق، كان من الأنسب — وفق المقاييس المهنية — الاكتفاء بذكر الأحرف الأولى من اسم المتهم مثل (م.ح) أو الإشارة إليه بصفته من أقرباء الضحية، وذلك منعًا لتداعيات إنسانية قد تضاف إلى وقع الجريمة نفسها.

وقد ظهر ذلك جليًا في الفيديو المتداول لوالد المتهم، وهو يتحدث بقلب مكسور، قائلًا: “أنا والد المجرم”، في مشهد مؤثر يعكس مدى الألم الذي يتعدى المتهم نفسه في مثل هذه القضايا، هذا الأب الذي لا ذنب له وجد نفسه يحمل عبئًا اجتماعيًا مضاعفًا بسبب ذكر الاسم الكامل، وهو ما يؤكد الحاجة المستمرة لمراعاة المعايير القانونية والإنسانية عند الإعلان عن تفاصيل حساسة، خاصة قبل اكتمال المسار القضائي.

ومع ذلك، لا بد من الإشارة بوضوح إلى أن أداء وزارة الداخلية تميّز في هذه القضية بقدرٍ عالٍ من السرعة والمهنية، فالكشف عن هوية الجاني، وتفكيك الدوافع، وتقديم التفاصيل الدقيقة خلال أقل من عشرة أيام، يمثل خطوة مهمة نحو ترسيخ الثقة بين المجتمع والسلطات، وقد أثبتت هذه الخطوة أن الشفافية ليست خيارًا إضافيًا، بل ضرورة لتعزيز الأمن المجتمعي ومنع محاولات الاستثمار السلبي في الأزمات.

وقد أسهمت الرواية الرسمية في:

  • إغلاق الباب أمام الشائعات التي انتشرت في الأيام الأولى.
  • نزع أي صفة طائفي أو أهلية عن الجريمة بعد محاولة تضليل واضحة من قبل الجاني.
  • تحويل الغضب الشعبي إلى مسار قانوني بدل الانفعال وردات الفعل.
  • تعزيز صورة الدولة كجهة قادرة على الوصول إلى الحقيقة خلال وقت قياسي.

كما تجلّى الدور الإيجابي لأعيان حمص وشيوخ العشائر الذين سارعوا إلى تهدئة النفوس، والدعوة إلى التزام القانون، دون التقليل من حجم الغضب أو من حق الناس في تحقيق العدالة، هذا الموقف الوطني المسؤول كان له دور جوهري في منع أي انزلاق اجتماعي، وفي تثبيت قناعة بأن حماية السلم الأهلي مسؤولية مشتركة لا تقل شأنًا عن الجهود الرسمية.

وتشير هذه التجربة إلى أن الاستقرار هو المكسب الأكبر للشعب قبل أي جهة أخرى، وأن المجتمع — حين تُقدَّم له المعلومات الدقيقة بوضوح — يصبح أكثر قدرة على ضبط انفعالاته والالتفاف حول مؤسسات الدولة، فالشفافية، في جوهرها، ليست مجرد إعلان عن معلومات، بل هي عملية بناء علاقة ثقة، تجعل المواطن يعتمد على الجهات الرسمية المسؤولة للوصول إلى الحقيقة، ويمنع بشكل أو بآخر أن يتصرف أيٌّ كان بمفرده أو أن ينجرف خلف ردود فعل خطيرة.

إن ما حدث في حمص يؤكد أن الأمن المجتمعي يبدأ من الثقة، وأن الثقة تُبنى بخطوات واضحة ومدروسة: خطاب رسمي واضح، إجراءات سريعة، مراعاة للمعايير القانونية، وتعاون واعٍ من المجتمع وأعيانه.

وإذا استمر هذا النهج، فإننا أمام فرصة حقيقية لترسيخ نموذج جديد للعلاقة بين الدولة والمجتمع، يقوم على المشاركة والوضوح واحترام القانون، وهي أسس تحتاجها سوريا اليوم أكثر من أي وقت مضى.

نزار الطويل

باحث في قضايا الأمن والسياسة المجتمعية

متخصص في تحليل السياسات والتحوّلات المجتمعية في سياق ما بعد النزاع، عمل عبر بيئات إنسانية وإدارية متعددة، وركّز في أبحاثه على قضايا الأمن المجتمعي، العدالة الانتقالية، ديناميات المدن المتأثرة بالحرب، وأنماط الاستقرار والتحوّل السياسي والاجتماعي في سوريا.

اترك رد

عاجل