

سؤال يراه البعض بسيطاً ويجيب: إنهم يفعلون ما يفعلون ليعارضوا السلطة الحالية فقط لمجرد المعارضة أو لولائهم للنظام البائد، لكن الحقيقة أن المشهد معقد قليلاً وليس بهذه البساطة، فبعد سقوط نظام الأسد نهاية 2024، ووصول الشرع كـ«رئيس انتقالي ذي خلفية إسلامية»، لدولة خارجة من حرب متداخلة المصالح إقليمياً ودولياً، معقدة الأذرع، ومنذرة بحرب طويلة جديدة لطالما تخوفت منها الدول ذات المصلحة، ولكن ذلك لم يحدث واستقرت البلاد إلى حد غير متوقع إلا أن حالات عنفٍ قد حدثت وُصفت بأنها طائفية، اعترفت حكومة الشرع بها واصفة مرتكبيها بالمجموعات غير المنضبطة، وعقدت لذلك محكمة علنية حاكمت فيها أوائل المتهمين.
يتذرع “المجلس الإسلامي العلوي الأعلى” بهذه الأعمال ليبني عليها خطاب المظلومية، فبدعوة من الشيخ غزال غزال رئيس المجلس، خرج أبناء الطائفة للاعتصام في حمص والساحل رافعين شعارات ركّزت على الكرامة، وترفض الإهانة، والمطالبة بالفيدرالية واللامركزية لسوريا، وشعار سوريا واحدة لا مركزية، بالإضافة للشعار الذي تردد كثيراً واحد واحد واحد الشعب العلوي واحد.
وكان قد أصدر المجلس بيانات متتالية:
- يشكر المكوّنات الأخرى، خاصة الدروز في السويداء، على التضامن.
- يعلن أنّ العلويين يتعرضون لانتهاكات على يد الحكومة الانتقالية.
- يطرح مطالب: إطلاق سراح المعتقلين، وضمان *حق تقرير المصير* عبر الفيدرالية أو اللامركزية السياسية، ويرفض صراحةً إقامة «إمارة إسلامية مركزية» تهددهم على أساس الهوية.
من جانب آخر في خلفية هذا المشهد، فإن النقاش الوطني حول الفيدرالية واللامركزية مشتعل عند الكرد في الشمال، والدروز في الجنوب، أي أن العلويين دخلوا على سجال قائم أصلاً وليسوا الوحيدين الذين يطرحون نماذج لا مركزية.
ماذا يريد العلويون فعلاً؟
تصف بعض الأصوات العلوية اليوم نفسها بأنها «طائفة حُكم عليها بالإعدام»، و«دفعنا ثمن الأسد، ودفعنا ثمن سقوطه»؛ فقد حاربوا مع النظام البائد ثم تُركوا الآن لمصيرهم أمام الحكم الجديد.
يريدون ضمانات حقيقية بأن الطائفة لن تُعامل ككتلة مدانة، وألا يكون هناك انتقام شامل أو إبادة صامتة، ويريدون كرامة وعدم تهميش سياسي ويعتبرون أن الأغلبية السنية تمسك بالمفاصل.
يريدون الشعور بأنهم شريك كامل في القرار، لا مجرد «ملف أمني» أو الأقلية المتهمة بالأمس والمشتبه بها اليوم.
النداءات والتهييج الخارجي – من يستثمر في العلويين؟
- دور إسرائيل وبعض القوى الغربية
رويترز توثق أن إسرائيل تدعم علناً الشيخ الهجري من مشايخ الطائفة الدرزية في السويداء، وتُتهم من مسؤولين سوريين بتأجيج الانقسامات الطائفية ودعم مشاريع استقلالية أو حكم ذاتي على حساب وحدة سوريا، ويذكر التقرير نفسه (أكراد، علويون، دروز، مسيحيون) يجتمعون في الحسكة بمشاركة شخصيات علوية في المهجر، للمطالبة بدستور جديد ودولة لا مركزية، مع حديث عن اتصالات مع الغرب وإسرائيل.
- جمعيات علوية في المهجر
في الولايات المتحدة مثلاً، «الرابطة العلوية» تقدّم عرائض للكونغرس والخارجية للمطالبة بحماية الأقليات، والضغط باتجاه نظام لا مركزي أو اتحادي في سوريا الجديدة، هذه التحركات لا توجه الشارع العلوي، بل تستثمره فقط، كما كان يفعل الأسد.
هل يقف كل العلويين خلف المجلس، ويؤيدونه؟
أغلب العلويين داخل سوريا لا يعرفون هذا المجلس، ولا يتفقون معه، ولا يرونه مرجعية دينية أو سياسية، وما صدر عنه من بيانات لم تلقَ إجماعاً ولا حتى قبولاً واسعاً.
العلويون تاريخياً ورغم استغلال النظام البائد لهم لم يُجمعوا يوماً على قيادة دينية واحدة، فكيف يصبح مجلسٌ ناشئ، بلا قاعدة شعبية، المخوَّل الوحيد للتحدث باسم مئات الآلاف؟
ثم إن الوقائع على الأرض تناقض تماماً مزاعم الاضطهاد والخطر الوجودي، فالغالبية الساحقة من العلويين العاملين في الدولة – من التعليم والصحة والقضاء إلى المحافظات والبلديات – ما زالوا على رأس عملهم، يمارسون وظائفهم دون تهديد ولا استهداف.
هؤلاء لا يريدون كانتونات ولا فيدراليات ولا إعادة رسم خرائط، هؤلاء يريدون أمناً، معاشاتٍ، وخدمات مستقرة.
فكيف يتحول من يصرح دائماً بأنه يسعى للاستقرار وفتح صفحة جديدة مع المجتمع إلى “كتلة سياسية” تطالب بالفدرلة؟
من يطالب اليوم بالفيدرالية لا يقدّم أي مشروع اقتصادي أو إداري أو قانوني واضح.
هو يكرر شعارات مُعلّبة:
“حق تقرير المصير”، “العيش بسلام”، “إدارة شؤوننا”…
كلمات بلا خطة ولا برنامج، أين هو المشروع الحقيقي؟ أين الدراسات؟ أين الرؤية؟ لا شيء!
حتى داخل الطائفة نفسها، الغالبية الساحقة ترفض هذا الطرح لأنه ببساطة لا يحل أي مشكلة واقعية: لا يوفر عملاً، لا يعيد الخدمات، لا يضمن الأمن، ولا يفتح باب التنمية، بل يؤجج المجتمع ولا يسد فجوة.
إنه مجرد خطاب عاطفي يحاول الهروب من مواجهة حقيقة أن الأزمات التي يواجهها العلويون اليوم هي نتائج سياسية واقتصادية لنظام سقط ورئيس هرب، لا نتيجة لـ“تهديد طائفي”.
إن تحويل العلويين إلى “جماعة مظلومة” تحلم بالانفصال إساءةٌ لهم قبل أن تكون إساءة لبقية السوريين، فالسواد الأعظم منهم يريد الاستقرار والهدوء بعد سنوات من الخراب، ولا يريد مشاريع انقسام ولا دويلات ولا حدود جديدة.
لمحة عن الكاتب: نزار الطويل صحفي باحث في السياسة المجتمعية
متخصص في تحليل السياسات والتحوّلات المجتمعية في سياق ما بعد النزاع، عمل عبر بيئات إنسانية وإدارية متعددة، وركّز على قضايا الأمن المجتمعي، العدالة الانتقالية، ديناميات المدن المتأثرة بالحرب، وأنماط الاستقرار والتحوّل السياسي والاجتماعي في سوريا، صحفي يشغل حالياً مسؤول العلاقات – اتحاد الصحفيين السوريين فرع حمص.






عذراً التعليقات مغلقة