مذكرات سجان في صيدنايا – الجزء الرابع عشر
مضى على خدمتي في الداخلية حوالي شهر ونصف، كانت من أصعب الأيام ولم نعرف طعم الراحة فكانت كل الأوقات مملوءة بالعمل، وكان أكثر ما يغيظ صف الضباط وخاصة المتطوعين منهم أن يروا أحدنا بدون عمل، فهم يعتبرون وجودناً مؤقتاً ويجب استغلاله في كل الأوقات.
خلال هذه الفترة القصيرة في الداخلية لم أعرف الكثير من المعتقلين وخاصة أن ذلك كان يعتبر جريمة، ولكن كان البعض منهم يحاول التقرب منا بشكل أو بآخر حتى نلبي لهم بعض الطلبات التي كانت محرمة، كالحصول على الأقلام أو نقل أموال من جناح لآخر أو السؤال عن معتقل في جناح آخر أو نقل أوراق أو حتى السماح لهم بالتكلم مع معتقلين آخرين.
لم يكن سهلاً تلبية هذه المطالب لا سيما أنني دائماً ما أسمع من باقي صف الضباط عن مجندين تم إحالتهم للقضاء العسكري بتهمة التعامل مع المعتقلين، أما المتطوعون فكانوا حذرين بهذا الأمر ولكن كثيراً ما كنت ألاحظ وقوف المساعد وائل أو المساعد عمر مع أحد المعتقلين وتكلمهم بصوت منخفض، وقد أكد لي مساعد في السرية بأن معظم صف الضباط في الداخلية يتقاضون مبالغ كبيرة لإدخال أغراض للسجناء أو استغلالهم بأمور أخرى.
لم يكن السجن يحوي معتقلين سوريين فحسب، بل كان يضم معتقلين من جنسيات عربية وأجنبية أيضاً، حيث كان هناك نسبة كبيرة من العراقيين المتهمين بالانتساب لتنظيمات جهادية ولبنانين وسعوديين وحتى من المغرب كان هناك شخص يدعى مصطفى الماخوخي، ومن الأردن كان هناك عدة أشخاص وأشهرهم إبراهيم الضاهر أبو حذيفة وكان أمير الأنبار لدى تنظيم القاعدة في العراق ومساعد أبو مصعب الزرقاوي، وكان البعض منهم فلسطيني الجنسية بتهمة دعم حركة حماس أو غيرها أو التعامل مع إسرائيل، كما كان للبعض تأثير قوي على باقي المعتقلين ويعتبرون قدوة لهم وخاصة أصحاب الأفكار الجهادية. وكان أحد المعتقلين يدعى الشيخ (سمير البحر) من جبلة كان شخصاً عاجزاً عن المشي ولكن كلامه مسموع من غالبية التيارات الإسلامية.
الشيء الذي استغربته عند بداية خدمتي في الداخلية وجود أطفال صغار لاتتجاوز أعمارهم خمسة عشر سنة كانوا حوالي أربعة عرفت أنهم متهمون بمحاولة تفجير الإذاعة وكان يطلق عليهم جماعة الإذاعة. أبو عبير أحد المعتقلين لم أعرف ما هي تهمته ولكن كان يبدو أنه مكروه من بعض المعتقلين وقد تم نقله من جناح لآخر بناءاً على طلبه ثم طلب مرة أخرى نقله من الجناح وقد سمعته يقول للمساعد وائل وهو يبكي بأنهم يريدون قتله فقال له “شو بدي اعملك بحطك بجناح لحالك” والكثير من المعتقلين من أحزاب أو شخصيات معارضة لم أستطع التعرف عليهم.
لقراءة الجزء الأول: صيدنايا.. قلعة الأسرار – أول مشاهد الرعب / مذكرات سجان في صيدنايا – الجزء الأول
لقراءة الجزء الثاني: صيدنايا.. قلعة الأسرار – تحطم الآمال / مذكرات سجان في صيدنايا – الجزء الثاني
لقراءة الجزء السابع: صيدنايا.. قلعة الأسرار – الزنزانات / مذكرات سجان في صيدنايا – الجزء السابع
لقراءة الجزء التاسع: صيدنايا.. قلعة الأسرار – أصناف التعذيب / مذكرات سجان في صيدنايا – الجزء التاسع
لقراءة الجزء العاشر: صيدنايا.. قلعة الأسرار – سياسة جديدة / مذكرات سجان في صيدنايا – الجزء العاشر
عذراً التعليقات مغلقة