مذكرات سجان في صيدنايا – الجزء الثالث عشر
أصبحت الخدمة في الداخلية صعبة للغاية بعد الاستعصاء الأول، لم نكن نعرف طعم الراحة حتى أثناء النوم فقد أصبح أي صوت يصدر من داخل السجن يشكل رعباً للجميع، وكثيراً ما كانوا يطلبوننا في منتصف الليل نتيجة صراخ أحد المعتقلين، لذلك أصبحت الداخلية تشكل كابوساً للجميع كما أنه بدت هنالك شكوك لدى إدارة السجن أو ربما أخبرهم أحد عيونهم بأن المعتقلين يخططون لأمر ما.. لذلك طلبوا منا تشديد الرقابة عليهم وصرنا نحاول الإستماع لما يقولونه بينهم من خلال فتحات التهوية التي تؤدي إلى السطح أو الوقوف ليلاً عند الأبواب دون أن نصل إلى نتيجة.
وقد صار صعباً السيطرة على المعتقلين الأمنيين لا سيما عندما نقوم بإخراجهم للتنفس، حيث كانوا ينتهزون الفرصة للذهاب الى الأجنحة الأخرى ويتكلمون مع باقي السجناء بعد أن كان ممنوعاً عليهم رفع رؤوسهم عن الأرض من قبل، وظهر أن إدارة السجن عاجزة عن فعل أي شيء.
من جهة أخرى بدأت معاملة العقيد تتغير وخصوصاً بالنسبة إلي، في أول الأمر ظننت أنه أمر عادي ولكن بعد أن تكرر عرفت أن هنالك سبب ما، ففي إحدى المرات كنت مشرفاً على التنفس وكنت أراقب السجناء في ساحة التنفس فرأيت العقيد علي متوجهاً نحوي وقد نظر إلي نظرة الغاضب وقال “ليش مانك حاطط البيريه على راسك”.. لم أجد مبرراً لكلامه رغم أن الجميع كانوا مثلي أيضاً. وذات مرة كنت أنا المناوب ليلاً في ساحة المسدس فدخل العقيد وسألني عن المساعد فرحان فأجبته بأنه غير موجود فراح يصرخ بوجهي وقال “ليش ما تروح تشوفو بغرفتو” فقلت له بأنه غير موجود بغرفته.
هنا بدأت أحس بأنه يتقصدني ولكن كنت أحاول ألا أفكر بالأمر حتى حدث ذات يوم وفي يوم مناوبة العقيد كان يقابل بعض المعتقلين ليرى طلباتهم وكان يقابلهم في غرفة المساعد وائل في المسدس فقمت بإدخال أحد المعتقلين إليه ووقفت خارج الباب أنتظر أن ينتهي فسمعت صوتاً من أحد الأجنحة وعندما التفت لجهة الصوت صرخ العقيد بشكل جنوني “خلي عينك لعندي” ثم قال “انزل على السرية وقع على عقوبة”.لم يكن سهلاً التفكير بأن خدمتي ستزيد لمدة شهر لسبب تافه فقمت بالتوقيع على عقوبة وفي اليوم التالي عرفت بأن العقيد لم يوقع العقوبة.
قال لي أحد الرقباء بأن سبب معاملة العقيد لي بهذه الطريقة كوني لا أنقل له الأخبار أو ربما أحد الرقباء قام بنقل خبر عني، كانت العنصرية واضحة في معاملة العقيد فكثير من الرقباء كانوا يقترفون أخطاء كبيرة ولكن لم يكن ليحاسبهم كونهم من طائفته أما من يخطئ من البقية فكان تصرفه وحشياً معه، أحد المجندين ويدعى وضاح من حلب وهو في السرية يبدو أنه قد تأخر في الالتحاق من إجازته فأمر العقيد بوضعه في زنزانات القسم (أ)، لم أكن موجوداً يومها ولكن أخبروني أنه ظل طول الليل يصرخ ويبكي لإخراجه ولكن دون جدوى حتى أصابته نوبة عصبية من شدة الخوف، ثم تم نقله إلى المستشفى حيث بقي عدة أيام ثم عاد إلى السجن، كانت حالته سيئة ولم يتكلم أيّ كلمة فقاموا بإعطائه إجازة وبعدها جاء مع أهله إلى السجن فقابلوا العقيد ثم أصدر قراراً بنقله إلى مكان آخر.
لقراءة الجزء الأول: صيدنايا.. قلعة الأسرار – أول مشاهد الرعب / مذكرات سجان في صيدنايا – الجزء الأول
لقراءة الجزء الثاني: صيدنايا.. قلعة الأسرار – تحطم الآمال / مذكرات سجان في صيدنايا – الجزء الثاني
لقراءة الجزء السابع: صيدنايا.. قلعة الأسرار – الزنزانات / مذكرات سجان في صيدنايا – الجزء السابع
لقراءة الجزء التاسع: صيدنايا.. قلعة الأسرار – أصناف التعذيب / مذكرات سجان في صيدنايا – الجزء التاسع
لقراءة الجزء العاشر: صيدنايا.. قلعة الأسرار – سياسة جديدة / مذكرات سجان في صيدنايا – الجزء العاشر
عذراً التعليقات مغلقة