على أعتاب معركة ادلب .. المحتلون يحددون خرائط نفوذهم في سوريا

جمعة الحمود7 سبتمبر 2018آخر تحديث :
على أعتاب معركة ادلب .. المحتلون يحددون خرائط نفوذهم في سوريا

من دون السوريين “معارضة ونظام” أصحاب الشأن، يجتمع رؤساء (روسيا، إيران، تركيا) في 7 سبتمبر/ أيلول الجاري في طهران لبحث الملف السوري الذي سيكون على رأس طاولة المفاوضات، وبالتحديد تفاصيل معركة إدلب المرتقبة.

بالتزامن مع عقد هذه القمة، هناك اجتماع لأعضاء مجلس الأمن الدولي حول الوضع السوري، مما يؤكد أن صفقة كبرى تم الاتفاق عليها بين الأطراف المجتمعة في طهران من جهة، وأعضاء مجلس الأمن الدولي المجتمعين في نيويورك.

الجانبان التركي والروسي يقولان أنهما مهتمان في صدد تهيئة الأرضية الملائمة لتجنب معركة في إدلب، فلا روسيا واثقة من نتائج ونجاح هذه المعركة دون دعم أنقرة، ولا تركيا قادرة على تحمّل تكاليف مثل هكذا تحرك قد يؤدي لموجة لجوء كبيرة ضمن أجواء اقتصادية تثقل كاهل أنقرة المتعبة من ضغط العقوبات الاقتصادية الأمريكية، أيضاً هناك الانتظار ال‘يراني للعقوبات الاقتصادية الأمريكية المقبلة ومن سيطبقها من الدول المؤثرة، قد تجعل الملف السوري أقل أهمية بالنسبة لطهران، ويجعلها أكثر مرونة مع طلبات حلفائها الروس والأتراك.

يرى البعض أن القمة (الروسية، التركية، الايرانية) المنتظرة قد تحمل قرارات مصيرية حول سوريا، لأنها ستحدد مصير إدلب وتحسم شكل الحل السياسي المرتقب في مفاوضات أستانة التي تحظى برعاية هذا الثلاثي، لكن هل يملك هذا الثلاثي قوة وحرية اتخاذ القرار وتطبيقه دون موافقة الغرب والولايات المتحدة الأمريكية التي استبقت اجتماع “بوتين وروحاني وأردوغان” باعلان استراتيجيتها في سوريا على لسان رئيس الأمن القومي الأمريكي بولتون من تل أبيب، بتصريحات هي الأكثر وضوحاً، حيث حدد فيها لأول مرة استراتيجية واشنطن في سوريا بشكل عملي منذ تولي ترامب قيادة الادارة الأمريكية، من خلال عدة نقاط تضع سقفاً لأي مباحثات مع اللاعب الدولي الأهم “روسيا” في سوريا.

الأمن القومي الاسرائيلي هو رأس الهرم في أي حل سياسي أو عسكري للملف السوري، مما يؤكد أن سياسة الرئيسين بوتين وترامب في سوريا ستكون ضمن حدود الرضا الاسرائيلي.

لا انسحاب للولايات المتحدة الأمريكية من سوريا دون انهاء ملفي تنظيم الدولة الاسلامية وإيران، مما يعني أن هذه الاستراتيجية تشكل مفتاحاً لقراءة المرحلة المقبلة للأزمة السورية ومحيطها.

مصالح كل طرف من الدول الفاعلة والمتدخلة عسكرياً في سوريا (أمريكا، تركيا، روسيا، إيران) هي البوصلة التي تعتمدها كل دولة لتحديد ورسم خرائط النفوذ الدولي والاقليمي على الأرض السورية وداخل بنية النظام الذي مازال يستولي على السلطة بمساعدة تلك الدول، سواء بالفعل الإيجابي أو السلبي الذي نتج عنه استمرار رعاية الجريمة “الأسدية” بحق الشعب السوري.

إيران الفارسية تسعى للسيطرة على سوريا تحت غطاء عقيدتها الدينية الطائفية، حيث تعتبر سوريا استمراراً لنفوذها وتأثيرها على الساحة الاقليمية، روسيا تدافع عن قواعدها ونافذتها على البحر المتوسط التي تضمن السيطرة على أسواق الطاقة في المنطقة، أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد حددت هدف وجودها في سوريا بنقاط ثلاث “أمن اسرائيل، القضاء على داعش، وإخراج ايران”، تركيا هدفها المعلن هو حماية أمنها القومي، ومنع قيام دولة أو إقليم كردي على حدودها يشكل خطراً على وحدتها ووجودها، إضافة لطموحها بلعب دور اقليمي ودولي من خلال تزعّم العالم الاسلامي.

وجود هذه القوى “المحتلة، والمتضاربة المصالح والأهداف” على الأرض السورية وعدم التصادم فيما بينها هو الأمر السائد، والمؤكد عدم استمرار الوضع كما هو عليه الآن، وكذلك من غير المتوقع أن يتطور الى مواجهة مباشرة وفعلية، لذلك لا بد من إيجاد طريقة ترسم معالم العلاقات الدولية والإقليمية المستقبلية، فالمنطقة تعتبر أهم مناطق العالم اقتصادياً وسياسياً، وممراً للتجارة الدولية وأهمها النفط والغاز، بالاضافة لكونها سوقاً استهلاكياً كبيراً.

بعيداً عن كل التصريحات التصعيدية من كل الأطراف الدولية والاقليمية المتنازعة حول العملية العسكرية المرتقبة في ادلب والملف السوري عموماً، هناك قاسم وهدف مشترك تجتمع تحت ظله كل تلك الدول “محاربة الارهاب” كمبرر لنشر غسيلهم الوسخ على طاولة المفاوضات التي دائماً ما تخضع للتنازلات وعقد الصفقات التي تضمن مصلحة كل طرف، على مبدأ القاعدة التي تم ترسيخها بين روسيا وايران من جهة، وتركيا من جهة ثانية “قاعدة تبادل الأرض” أي السماح للأتراك بتوسيع رقعة المنطقة الخاضعة لإدارتهم “درع الفرات” التي وجدت لمحاربة الأحزاب الكردية على حدودها، مقابل السماح للنظام المدعوم روسياً وايرانياً بالتقدم في محافظة إدلب.

ما بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة، وروسيا من جهة أخرى، إيران هي الخاسر الأكبر، فتلك الدول متفقة على ما يسمى “قواعد الاشتباك” عندما تقوم الطائرات الاسرائيلية أو الأمريكية بمهاجمة الميليشيات الإيرانية، التي تطالب اسرائيل وأمريكا روسيا والنظام إبعادها من سوريا.
موسكو أبعدت طهران عن الحدود السورية الاسرائيلية، لكن المطلوب أن تشمل الخطوة كل الأراضي السورية، لكن روسيا لم تستجب وقالت “لا امكانية لإخراج ايران من سوريا” وأنها ستكون سعيدة إن قام الجانب الأمريكي والاسرائيلي بإخراجها، مما يعني أن الملف الايراني سيكون مفتوحاً على جميع الخيارات، فإسرائيل لن تتوقف عن هجماتها ضد الوجود الإيراني في سوريا، وواشنطن لاتخفي نيتها “فرض منطقة حظر طيران في الشرق السوري” وتوجيه ضربات جوية مركزة ضد خطوط امداد ايران لسوريا والتي تشمل صحراء الأنبار والبادية السورية؛ الا أن هذه الخطوات قد لا تكون فعالة لانهاء وجود الحرس الثوري الايراني داخل سوريا ما لم تكن موسكو شريكاً بها.

من هنا تتضح ملامح الصفقة بين روسيا والولايات المتحدة فيما يخص السماح بالبدء في معركة ادلب بضوء أخضر أمريكي، ومن ثم تهيئة الظروف لفرض واقع سياسي جديد لن تكتمل معالمه قبل إنهاء ملف إدلب ومحيطها، وإخراج إيران التي أدركت أن التغاضي عن وجودها كان لاستخدامها، وليس لمنحها دوراً اقليمياً، وظروفها الاقتصادية الآن لا تسمح بالمواجهة، عكس إسرائيل التي استثمرت في سوريا إلى الحد الأقصى مستفيدة من التناقضات والخلافات الدولية والداخلية في سوريا، ويبدو أن الغارات الاسرائيلية مطلع الشهر الجاري على قوات إيران التي لم تستكن لتعهدات موسكو بضبطها، مقدمة لفصل جديد من الحرب وامتداد لمواجهات أكبر قادمة في سوريا، لن يكون نظام الأسد بعيداً عنها، بسبب الاتفاق الأخير الذي منح الشرعية للتواجد الايراني على الأرض السورية.

تقف الأزمة السورية الآن على أعتاب مرحلة جديدة عنوانها الدولي سيحدده توافق موسكو وواشنطن، أما عنوانها الثوري سيحدده جَمع من الرجال القابضين على الجمر في إدلب وما حولها من الشمال السوري.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل