غزة تموت جوعًا… والعالم يشيح بوجهه

حين يتواطأ العالم، يصبح الجوع سلاحًا آخر للموت

فريق التحرير 327 يوليو 2025آخر تحديث :
غزة تموت جوعًا… والعالم يشيح بوجهه

حرية برس _ رنيم سيد سليمان

تُحاصر المجاعة سكان غزة بلا رحمة، بعدما تهاوى كل ما يمتّ إلى الحياة بصلة، لا طعام، لا ماء، لا دواء، ولا حتى مخرج من الجحيم، لامست المجاعة فعليًا كل بيت، وتفشّى الجوع حتى صار مشهدًا يوميًا مألوفًا.

وبينما تنهار الأجساد واحدة تلو الأخرى، يقف العالم متفرجًا بصمتٍ أشد قسوة من الحصار نفسه، لا تحرّك، لا إغاثة، ولا موقف يُعبّر عن أدنى درجات الإنسانية.

المجاعة تتسلل إلى البيوت الخالية:

غابت السلع من الأسواق، ولم يتبقَّ سوى الرفوف الفارغة وأبواب مغلقة، لم يعد للجوع مفر، ولم تعد هناك إمكانية للشراء حتى لو وُجد المال، بينما تبحث العائلات عن فتاتٍ لا يُشبع، وتحوّلت المدن إلى صدى لأنين الجائعين، فغابت رائحة الخبز، وتوقفت القدور عن الغليان، وصار انتظار الموت جزءًا من يوميات سكان غزة.

وجوه الأطفال تكشف أرقام المجاعة:

في شوارع غزة، لم تعد ملامح الأطفال تخفي ما يعانونه، أكثر من 90,000 طفل وامرأة أُصيبوا بسوء تغذية حاد، وأكثر من 5,000 طفل شُخّصوا طبيًا بالحالة نفسها في أيار/مايو وحده، في شمال القطاع، يعاني طفل من كل ثلاثة دون عامين من الهزال، بينما ارتفعت نسب سوء التغذية الشديد بنسبة 146% خلال أشهر قليلة.

لم تسعفهم المستشفيات التي أُغلقت أو نفدت إمداداتها، ولم يصلهم العلاج الذي ينتظر على المعابر، تساقطت الأجساد الصغيرة بصمت، ووثّقت وزارة الصحة 66 حالة وفاة لأطفال بسبب الجوع منذ حزيران/يونيو، أرقام تخفي وراءها آلاف الصرخات التي لم تُسمع.

الموت بالجوع ليس احتمالًا… بل واقعٌ يومي:

سجلت وزارة الصحة في غزة أكثر من 127 حالة وفاة جراء الجوع وسوء التغذية حتى نهاية يوليو، بينهم عشرات الأطفال، وتقدّر الأمم المتحدة أن أكثر من 1,000 شخص قُتلوا أثناء محاولتهم الوصول إلى مساعدات إنسانية، هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات؛ بل هي أرواح أُزهقت في ظل حصار خانق، وغياب فاضح لأي تدخل حقيقي.

تفاقمت الكارثة بفعل الحصار والدمار:

ضرب الحصار الخانق شرايين الحياة في غزة، ومنع دخول الغذاء والدواء بشكل منهجي، تراكمت آثار العدوان، واندثرت الأراضي الزراعية بفعل القصف، بينما دُمّرت الأسواق والمخابز والمخازن، وغابت قدرة الناس على الاعتماد على الذات، وانغلقت الأبواب أمام أي بدائل ممكنة، تحوّل القطاع إلى سجن كبير لا يُسمح فيه بدخول أبسط مقومات البقاء.

المرض ينتشر… والدواء غائب:

لم تقف الأزمة عند الجوع وحده، بل امتدت إلى كل بيت فيه مريض، توقفت 27 مستشفى من أصل 35 عن العمل، فيما يعيش أكثر من 2.1 مليون شخص تحت خط انعدام الأمن الغذائي الحاد.

يُحرم المرضى من الدواء والعلاج والغذاء، وتظهر حالات وفاة يومية؛ أكثر من 15 شخصًا يموتون جوعًا كل 24 ساعة، بات الجوع قاتلًا معلنًا، والدواء أمنية لا تتحقق، والموت نتيجة حتمية تُسجّل كل يوم بأرقام باردة، خلفها قصص دامعة.

صمتٌ يلفّه العار

سقط المجتمع الدولي والعربي في امتحان غزة الأكبر، واقفًا بصمت بارد أمام جوع يُزهق أرواح الأبرياء، لم تُصدر مواقف حازمة، ولم يُمارس ضغط حقيقي لمنع الكارثة، في حين اختار كثيرون التفرّج، وارتضوا أن يكونوا شهودًا على التجويع دون حراك، وكأن العجز تحوّل إلى سياسة، والصمت إلى تواطؤ.

في غزة، يموت الناس جوعًا والعالم مشغول بالصمت المدروس، والمواقف العربية، التي كان يُفترض أن تكون درعًا، تحوّلت إلى ظلٍ باهت لا يُسمن ولا يغني من جوع، فلم يكن الخذلان مجرد غياب، بل حضور مشوّه لعجزٍ مريب، وتواطؤ يلبس قناع الحياد.

تُسفك الكرامة مع الدم، ويُقايض الجوع بالبيانات، ويبقى السؤال المُرّ: كم من الوقت يحتاج العرب ليشعروا بأن غزة منهم؟

اترك رد

عاجل