* فراس علاوي
لعل التكهن بما ستؤول إليه الأمور في سوريا بسبب تعقيدات الوضع فيها وصعوبة توقع من سيفرض الحل على الأرض، يجعل من هذا الكلام نوعاً من التفاؤل المفرط.
ولعل اختلاط الإيديولوجيات المتصارعة على الأرض ووصولها حد التنافر قد يجعل الأمر أكثر صعوبة، فالقوى الموجودة على الارض تحركها بل وتسيطر عليها إيديولجيات وقوى تتراوح بين اليسار المفرط واليمين الذاهب إلى أقصى مراحل التطرف.
سقوط بشار الأسد الحتمي لايعني بداية الإنفراج بل ربما يعني زيادة التعقيد، والبديل العسكري قد يبدو أكثر خطراً من الوضع الحالي.
الحلول المطروحة تكاد تكون عقيمة في ظل التنافس الدولي الاقليمي والعالمي على سوريا والبحث عن نصيب الاسد من الكعكة السورية.
النظر لسوريا المستقبل في ظل هذا الوضع المتشابك والمعقد قد يبدو نوعاً من الفانتازيا أو الترف الفكري، ومع ذلك، وبالنظر لما حققته ثورة الكرامة من التغلب على كثير من الصعوبات والمآزق التي وضعت فيها والأخطار التي وقفت في طريقها فإنه يجعل من الممكن التفكير في مستقبل سوريا السياسي وطريقة الحكم فيها.
مايطرحه العالم من حلول جميعه يصب في خانة التقسيم إن لم يكن الجغرافي فهو التقسيم الإثني والايديولوجي
فالدفع باتجاه محاصصة سياسية طائفية بالدرجة الاولى وعرقية بالدرجة الثانية هو ماتمارسه القوى العظمى وتعمل عليه وهو مايناقض أهداف الثورة وتطلعات الشارع الثائر الذي خرج من أجل سوريا موحدة تعددية لاطائفية يحكمها دستور وقانون، ثورة الكرامة التي كانت شعاراتها تشكل خطوطاً عريضة لدستور المرحلة القادمة شعب واحد بلد واحد مستقبل مشرق واعد لجميع أبنائها لا إستبداد فيه ولا فساد.
هذا مايجعل سوريا المستقبل أمام مفترق طرق في طريقة الحكم التي سيختارها الشعب أو ربما ستفرض عليه ضمن جملة إتفاقات سياسية وتفاهمات دولية.
أخطر هذه التفاهمات التي تهدد مستقبل سوريا هي نقل التجربة اللبنانية أو العراقية والتي يسوق لها البعض كنموذج حكم رغم فشلها في بلدانها الاصلية بسبب اختلاف الاهداف والتطلعات للقوى السياسية المشاركة في عملية المحاصصة وبسبب الاختلاف الكبير في طبيعة المجتمع السوري عن تلك المجتمعات رغم التشابه في البنى الديموغرافية بين هذه الدول.
العودة لحكم فردي مركزي يعيد للذاكرة حكم نظام الاسد كقائد للدولة والجيش واختصار شكل الدولة في صورته هو أمر أصبح شبه مستحيل بعد التجربة المريرة للسوريين معه.
أما أشكال الفيدرالية والكونفدرالية واللامركزية فهي أيضاً مستبعدة من فكرالسوريين الساعين لسوريا الواحدة التي تعود إمكاناتها الاقتصادية لجميع السوريين وكذلك تستفيد من طاقات أبنائها وكفاءاتهم وخبراتهم المتنوعة
الحل الأمثل لبلد خرج منهكاً من حرب طويلة وتدمير ممنهج لبنيته التحتية هو حكومة قوية تملك خبرات متنوعة اقتصادية، وتكنوقراط يملكون مؤهلات تساهم في إعادة البناء، طريقة حكم جماعية تستند إلى قرار سياسي قوي بدوره يعتمد على قاعدة شعبية قوية ولها وجودها في شارع عرف طريق الرفض والخروج إلى الساحات.
وهناك تجارب سبق وحققت نجاحات مثل التجربة التي اتبعتها بعض دول جنوب شرق آسيا والهند وتركيا ربما يستفاد منها.
أمور كثيرة تحتاجها الحكومة التي ستتسلم بلداً عانى ويلات حرب ومشاكل اقتصادية واجتماعية كبرى، وشرخ واضح بين مكونات المجتمع رغم محاولات أبنائه رأبه، لكن الخلاف كبير.
هذه الحكومة تحتاج لقاعدة شعبية وحاضنة كبيرة واعية ومتفهمة وقادرة على الوقوف خلفها ودعمها بكل ما أوتيت من قوة، وبذات الوقت الحكومة مطالبة بتحقيق برامج سريعة وناجحة للنهوض بالمجتمع بسرعة وانتشاله من حالة الافلاس التي سيطرت عليه وأن تقود عملية مصالحة وبناء كبرى تشبه مشروع مارشال في أوربا عقب الحرب العالمية الثانية.
سياسيا .. طريقة الحكم يجب أن تضمن موافقة النسبة الأكبر من الشعب لكي تكون حامية له ومساندة لمواقفه.
هذه الطريقة يحددها الدستور الذي سيقره الشعب في استفتاء نزيه وحقيقي بعد كتابته بعيداً عن أي تأثير سياسي أو إيديولوجي.
لكن بالنظر لتجارب الحكم فالأقرب للنجاح في سوريا ربما هي التجربة التركية.
حيث يتم إنتخاب برلمان حقيقي بانتخابات نزيهة وشفافة يتم تشكيل حكومة من الأغلبية البرلمانية إما بالتشكيل المباشر أو بالتحالفات السياسية ويقوم البرلمان نفسه بانتخاب رئيس للجمهورية لفترة رئاسية يحددها الدستور.
هذه الطريقة تضمن تكاملاً في العمل السياسي والاقتصادي وبذات الوقت تحقق برامج التنمية داخل الدولة دون معوقات أو مشاكل وبذات الوقت تضمن رضى شريحة واسعة من الناخبين لهذه القوى السياسية ودعماً لها في الشارع.
هي رؤية لما يمكن أن تكون عليه التجربة السياسية السورية بعد الثورة نتيجة لدراسة التجارب السياسية في الدول الاقليمية مع مراعاة الخصوصية التي يتميز بها الشعب السوري.
في انتظار ما ستسفر عنه الأمور على الأرض وتوازنات القوى العالمية والاقليمية.
عذراً التعليقات مغلقة