استخراج شهادة الوفاة.. معاناة جديدة تبرز لسكان حلب المحتلة

فريق التحرير11 يوليو 2018آخر تحديث :
مديرية النفوس في حلب – أرشيف

زياد عدوان – حلب المحتلة – حرية برس

كل شيء أصبح معاناة، حتى أن تنفس الهواء أصبح معاناة، بدءً من انتشار بيوت الدعارة والترويج للمخدرات وغيرها من الآفات التي اجتاحت مدينة حلب، برزت معاناة جديدة أصبحت تؤرق عيش المدنيين الذين أصبحوا يكرهون البقاء في مدينة حلب، ولكن الظروف الصعبة التي يعيشونها هي التي أجبرتهم وما زالت تجبرهم على البقاء داخل المدينة المحتلة من قبل عناصر الشبيحة والميليشيات الذين تمكنوا من تحويلها إلى غابة يحكمها بعض قطاع الطرق، ومع أن مؤسسات نظام الأسد موجودة في مدينة حلب إلا أن القائمين عليها جميعهم يتبعون للميليشيات الإيرانية أو لهم علاقات تجعلهم يديرون الدفة بحسب التوجيهات التي يتلقونها من الميليشيات التي تتلقى الدعم من قبل إيران.

إذ أن الحصول على شهادة وفاة أو القيام بتسيير هذه المعاملة أصبح يؤرق الكثير من المدنيين الذين فقدوا أحد ذويهم بالقصف الذي طال المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة كتائب المعارضة، خلال سنوات الثورة السورية، إذ يتطلب تسجيل شهادة الوفاة في الدوائر الحكومية التابعة للنظام تقريراً طبياً يشرح حالة الوفاة بالإضافة لإحضار اثنين من الشهود الذين حضروا تغسيل الجثة ودفنها، ولكن في حال إذا كان المتوفي ممن قتلوا جراء قصف الطيران الحربي السوري أو بسبب القصف المدفعي والصاروخي الذي تعرضت له مدينة حلب خلال سيطرة كتائب المعارضة، فهنا المشكلة والتي تجعل الأمر يتعقد لدرجة ان يطلب من ذوي المتوفي إحضار تقرير أمني من أحد الأفرع الأمنية التابعة لأجهزة النظام.

وقد حصلت هذه الحادثة مع قتيبة أثناء قيامه بإجراءات معاملة الحصول على شهادة وفاة لوالده من أجل استخراج أوراق حصر إرث، إذ أنه بدأ بإجراء الحصول على شهادة وفاة من أجل تثبيت وفاة والده وقال في حديثه لحرية برس “قتل والدي في عام 2016 بعد تمكن الميليشيات والشبيحة من إحكام حصارهم لمدينة حلب وذلك بسبب القصف الجوي على حي طريق الباب، ومنذ ذلك اليوم إلى تاريخ العشرين من شهر حزيران الماضي حتى استطعت أن أحصل على شهادة وفاة لوالدي، إذ بدأت بكتابة ضبط لدى مخفر الحي ادعيت فيه بأن والدي توفي إثر ذبحة قلبية مفاجئة في ذات العام الذي توفي فيه وبعد حصولي على تقرير الطبيب، ذهبت إلى مبنى النفوس من أجل تسليم شهادة الوفاة إلا أنه تم رفضها لأنها مزورة ولم تستوفِ الشروط، وقد طلب مني إعادتها من جديد، فذكرت في شهادة الوفاة الجديدة والتقرير الطبي أن سبب الوفاة هو طلقة قناص الإرهابيين عند محاولة والدي اجتياز الطريق في منطقة الميدان، في عام 2016 عندما حاول والدي الخروج من مناطق سيطرة كتائب المعارضة، وبعد ذلك قمت بأخذ شهادة الوفاة مع التقرير الطبي حيث قام مختار الحي بتوقيعها ومهرها بختمه فوراً دون تأخيري، كما ان إجراءات تثبيت الوفاة لم تستغرق عدة دقائق في مبنى النفوس في منطقة محطة بغداد، وعرفت أن السبب هو التقرير الطبي وشهادة الوفاة التي ذكر فيها بأن سبب الوفاة هو أصابت والدي برصاص قناص كتائب المعارضة، ولكنه بالواقع قتل إثر القصف الجوي الذي تعرض له الحي.

وحتى تاريخ اليوم لم يتم تسجيل جميع حالات الوفاة ولم يتم إحصاء عدد القتلى من المدنيين الذين قتلوا خلال القصف الجوي والمدفعي والصاروخي الذي تعرضت له مدينة حلب خلال سيطرة كتائب المعارضة على أجزاء من المدينة، فبعد سيطرة النظام وميليشياته على مدينة حلب بالكامل مازال هناك الكثير من المدنيين الذين مازالوا على قيد الحياة في سجلات النفوس لدى مؤسسات النظام، وذلك بسبب أن الشخص الذي يقوم بإجراء شهادة الوفاة من الممكن أن يتعرض للاعتقال خلال تسيير معاملة وشهادة وفاة لأحد ذويه الذين كان إلى جانب كتائب المعارضة، فخلال ذلك وبسبب التقارير الأمنية وأثناء قيام أحد المدنيين باستخراج شهادة وفاة يتم البحث في السجلات الأمنية عن سبب وفاة الشخص، إذ أن الأجهزة الأمنية التابعة للنظام عملت على توثيق بعض أسماء قتلى كتائب المعارضة ووضعت سجلات بأسمائهم وخلال ذلك يتم اعتقال ذويهم، حتى إن كان من يقوم باستخراج شهادة وتقرير الوفاة امرأة، إذ الأجهزة الأمنية التابعة للنظام لا تميز بين امرأة أو مسن أو رجل خلال عملية اعتقال.

ويشتكي شريحة كبيرة من المدنيين في مدينة حلب من هذه الإجراءات التعسفية من أجل إخراج شهادة وفاة لأحد ذويهم خصوصاً إن كان من كتائب المعارضة، ولكنه من الضروري الحصول على وثيقة تثبت وفاة الشخص خصوصاً في ظل العمليات الأمنية والاعتقالات التي تشهدها مدينة حلب.

وبالرغم من تمكن بعض المدنيين من الحصول على شهادة وفاة، إلا أن بعضهم لم يستطيعوا إلى تاريخ اليوم الحصول على تقرير طبي وذلك بسبب أن المتوفي مطلوب لأحد الأفرع الأمنية بل حتى إمكانية الحصول على تقرير وشهادة وفاة أصبح أمراً صعباً للغاية، وبحسب ما ذكر عصمت في حديثه لحرية برس “إلى تاريخ اليوم لم نستطيع توفية والدي حتى أننا لم نستطيع الحصول على بيان قيد له، وذلك بسبب تشابه اسمه مع أحد قادة كتائب الثوار، حتى أنني تعرضت للاعتقال وبقيت مسجوناً في فرعي المخابرات الجوية وأمن الدولة أكثر من أربعة أشهر، وبعد التحقيقات المستمرة معي والضرب الذي تعرضت له، قامت والداتي بدفع مبلغ خمسة ملايين ليرة سورية من أجل إخراجي من السجن، وبعد ذلك بفترة قمت بإعادة المحاولة من أجل الحصول على شهادة وفاة لوالدي ولكنني لم أستطع الحصول عليه حتى تاريخ اليوم بالرغم من مرور أكثر من ثلاثة سنوات على وفاته بسبب إصابته بجروح خطيرة إثر القصف الجوي، حتى أن والدتي حاولت الحصول على شهادة وفاة من أجل تثبيتها في سجلات النفوس، وتحويل الراتب التعاقدي لوالدتي ولكن لم ينفع أي شيء، سوى أن الأجهزة الأمنية التابعة للنظام طلبت منا أن يسلم نفسه لأنه مطلوب ولم يصدقوا بأنه توفي.
وحتى تاريخ اليوم مازال هناك المئات من المدنيين الذين قتلوا جراء القصف الجوي والمدفعي والصاروخي الذي تعرضت له مدينة حلب ولكنهم مازالوا أحياء في مؤسسات النظام بالرغم من مرور أكثر من أربعة سنوات على مقتلهم، وما يزيد الأمور تعقيداً هو أن مؤسسات النظام لا تعترف بالوفاة إذا كان سبب الموت هو سقوط قذائف صاروخية وهو السبب الرئيسي للوفاة، إذ بعض الأحياء الخاضعة لسيطرة ميليشيات النظام قد تعرضت للقصف من الثكنات العسكرية التابعة للنظام ولكنه في وسائل الإعلام الموالية قد تم اتهام كتائب المعارضة باستهداف تلك الأحياء المكتظة بالسكان.
وتبلغ تكلفة تسيير معاملة الحصول على شهادة وفاة مع التقرير الطبي أكثر من مئة دولار، في حال إذا كانت حالة الوفاة طبيعية، أما إذا كانت حالة الوفاة بسبب القصف أو طلقة قناص فتتجاوز كلفتها الأربعة مئة دولار ما بين طوابع ورشاوي مع العلم ان استخراج التقرير الطبي لحالة الوفاة يتم بيعه من قبل الأطباء المتعاقدين مع المشافي الحكومية التابعة للنظام.
كما أن بعض المدنيين الذين يقومون بإجراء معاملة تثبيت وفاة لأحد ذويهم أصبحوا يلجأون إلى دفع مبالغ مالية كبيرة للشهود الذين يستوجب حضورهم مراسم الجنازة والدفن على أن يكون الشاهد تجاوز السن القانونية وأنهى الخدمة الإلزامية وليس مطلوباً لأحد الأفرع الأمنية التابعة لأجهزة نظام الأسد.
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل