حلب في الغوطة والقادم في حمص

بسام الرحال1 مارس 2018آخر تحديث :
حلب في الغوطة والقادم في حمص

لايزال الأسد يدور بآلة قتله كمجنون روما، يحرق ما تبقى من المناطق الخارجة عن سيطرته، ضارباً بعرض الحائط كل الاتفاقات الدولية التي أغرقونا بها، وأخرها ما سمي بمناطق خفض التصعيد.

أيام متأرجحة تعيشها الغوطة الشرقية، بين خياري الحل العسكري أو القبول بالاتفاق السياسي، مئات الجرحى والشهداء منذ بدء الحملة البربرية، وتصعيد يعيدنا بالذاكرة إلى أواخر عام 2016 وحملة النظام على أحياء حلب الشرقية، والتي ارتكب خلالها كل ما يسمى دولياً “الجرائم ضد الإنسانية” وسط صمت إقليمي ودولي نطق أخيراً بعدما انتهت المدينة ووصلت الدول المتقاسمة “روسيا وتركيا”، لاتفاق يقضي بتهجير سكانها وخروج المقاتلين بسلاحهم الخفيف وسيطرة النظام على المدينة بأكملها.

ضربة موجعة تلقتها الثورة آنذاك، هزيمة تتحمل الفصائل المقاتلة الجزء الأكبر منها بعد الاقتتالات المتكررة التي حصلت فيما بينها أثناء سيطرتها، والتي أدت إلى إنهاكها ذاتياً وغرس العداوة بين أفرادها، وقادة باع كثير منهم الذمم، ومقاتلو المناطق الأخرى إما متفرج وإما منهمك بصراعات شخصية وإما ينتظر أن تأتيه الأوامر من داعميه، كلها عوامل أدت إلى سقوط المدينة.

يتكرر المشهد في الغوطة اليوم، التي تشكل مخرزاً في خاصرة دمشق الشرقية، والتي لطالما قضت مضاجع النظام بضربات كادت تصل بالثورة للنصر المحقق لولا تدخل حلفائه الروس، وبنظره عابره لا تحتاج إلى تعمق لما جرى في حلب وما يجري في الغوطة، نجد أن النظام يتبع نفس السيناريو “سياسة الأرض المحروقة” للوصول إما الى حسم عسكري وفي حال الفشل، التصعيد العشوائي واستهداف المدنيين حتى يضغطوا على المقاتلين للوصول إلى اتفاق سياسي تماماً كما جرى في حلب، وهذا ما صرحت به جهاراً روسيا على لسان وزير خارجيتها، مؤكدةً كل التخوفات التي كانت تصدر عن خجل من تكرار مأساة حلب في الغوطة.

وهنا أقول من حق روسيا أن تفعل ما تشاء وعلى العلن، فمن باع حلب لن يشتري الغوطة ومن وقف متفرجاً وقتها نطق الآن بما قاله وقتها “أخرجوا المدنيين”، وكأن الأرض ليست لهم وكأن المقاتلين ليسوا أبناءهم، لا أريد أن أكون تشاؤمياً أو محبطاً للمعنويات، ولكن العوامل التي أدت الى سقوط حلب موجودة أغلبها في مشهد الغوطة، حيث شهدت أكبر القوى العسكرية فيها اقتتالات مروعة فيما بينها، أدت الى غرس نوع من الغلّ ورغبه الثأر في نفوس أبناء كل فصيل، والمناطق الأخرى الخارجة عن السيطرة أغلقت أفواهها كما بنادق مقاتليها بما تبقى من أسطر مهزلة ما يسمى “اتفاقيه خفض التصعيد”، بل وأقسى من ذلك ما نجده من انشغال مقاتلي الشمال بالتحشد ضد بعضهم ناسين مآسي الغوطة وصرخاتها، وكأن الأمر لا يعنيهم وكأن الآتي ليس دورهم.

نعم نفس الأحداث تتسارع وكأن اليوم الغوطة هو البارحة حلب، وهو نفسه غداً في الريف الشمالي لحمص والذي على الأرجح سيكون التالي حسب التكهنات، فإذا أحكم النظام السيطرة على الغوطة تكون العاصمة وريفها تحت حكمه، والمنطقة الوسطى تحت حكمه عدا الريف الشمالي الذي سيجعله التالي ليفرض بذلك هيمنته على أكبر المناطق السورية، تاركاً إدلب ودرعا لتكونا المشهد الأخير.

الدور آت كما صرح بذلك رأس النظام بأنه ماض في حربه حتى يعيد كل المناطق إلى حظيرته، وكم ضحكنا عليه آنذاك، ولكن ما علمنا أنه لا ينطق عن هواه، إنما هي اتفاقات وصفقات دولية وقعت تحت الطاولة وخلف الستار، وفوق بحر من دماء السوريين.

رسالة أراد أن يفهمنا بها “لا تقاوموني فقد اشتريت دمائكم”، كان علينا أن نفهم منها أن نكون يداً واحدة، وألا نعول على دولة أوهمتنا يوماً أنها صديقة لنا، أو سياسة أو قانون يدعون بأنه إنساني وملزم، كان علينا أن نفهم بأن نحطم بنادقنا أفضل من أن نوجهها على إخواننا ونقتل أنفسنا بسلاحنا، كان علينا أن نفهم بأن بنادق متنازعة ونفوس باتت تحمل لبعضها الغل والحقد والبغضاء، وأطراف متفاوضة لا يكترث أحدها للآخر، وصمت الشمال عن مجازر الجنوب، وتشتت القرار السياسي والعسكري، لن يزيدنا إلا ألماً وقهراً ولن تزيد شعبنا إلا خساره ولن تزيد ثورتنا إلا هزيمة، علينا أن نفهم بأننا متى ملكنا قراراً سياسياً وعسكرياً واحداً، عندها “فقط” سنحيا جميعاً وستقوم ثورتنا.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل