في ذكرى استشهاده الرابعة: تقرير يوثق أبرز محطات عبد الباسط الساروت.. ووالدته تبعث رسالة للمعارضة

عائشة صبري8 يونيو 2023آخر تحديث :
عائشة صبري
عبدالباسط الساروت ينشد في مظاهرة معرة النعمان بذكرى انطلاقة الثورة السورية – عدسة: حنين السيد – حرية برس©

يُحيي أبناء الثورة السورية في الثامن من حزيران، الذكرى الرابعة لارتقاء أحد أبرز أيقونات الثورة السورية، الشهير بـ “حارس وبلبل الثورة”، عبد الباسط الساروت، ويردّدون أناشيده الثورية وكلماته، مستذكرين مواقفه الشجاعة التي جعلته رمز بطولةٍ عصيّاً على النسيان، وذلك عبر المظاهرات في الشمال السوري وفي مواقع التواصل الاجتماعي.

الساروت بلسان أمّه

في حديثها لموقع “أورينت”، تصف أم وليد الساروت، قرّة عينها قائلة: “كان ذكياً منذ طفولته لكنّه لم يُكمل دراسته بعد مرحلة الإعدادية كونه كان شغوفاً بكرة القدم، وتجده في أيّ وقت الكرة بيده سواء في المنزل أو الشارع، إضافة إلى مساعدته لوالده وإخوته في عمل تصحيح أسياخ الحديد لبيعها للنجارين”. 

وعن آخر مرّة حدّثها الساروت عبر الفيديو قبل يوم من استشهاده، تستذكر والدته: كانت جملة “ادعي لي أن أنال الشهادة” دائمة على لسانه، وفي آخر زيارة له إلى منزلها قبل أربعة أشهر من استشهاده مكث أربعة أيام، مضيفة: “أخبرني بأنّه لن يغادر المنزل ليبقى معي في فترة الزيارة خلالها كان بكلّ لحظة يلتقط صورة لي ويضحك ويُكرّر جملته، ادعي لي أن أنال الشهادة”.

وتتابع أم وليد: حتى أنَّه عندما وصل إلى باب المنزل عاد ليلتقط صورة مع عائلة أخيه الذي ارتقى قبله، وهي لأول مرّة يطلب ذلك، وقال: “خاطركم ربّما لن تروني ثانيةً، فقد كان يشعر بقرب انتهاء أجله ويقول قريباً سأتزوج من حورية في الجنة”. حسب والدته.

وعند سؤالها عن رؤيتها الحالية للثورة، حمّلت أم الساروت “أورينت” رسالة إلى المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري مفادها: “حال الناس في ضيق سواء في الداخل السوري أو بلاد المهجر، أوجه رسالة للمعارضة لماذا هذا السكوت والجمود وباتت سوريا ذبيحة كلّ جهة تنهش منها جزءاً.. عليكم بالقتال، فما أخذه بشار الأسد بالقوّة لن يُردّ إلا بالقوّة”.

وطالبت بأن تُفتح جميع جبهات المناطق لاستعادتها من يد ميليشيا أسد، مضيفة: “قادات المعارضة لديهم سلاح ومال وعناصر، لكنّهم رهنوا أنفسهم للدول وباتوا يهتمون بحياتهم الخاصة دون غيرهم، في المقابل مئات الآلاف في السجون يتعذبون، حتى باتت الثورة تجارة مستمرّة بدماء السوريين، القادة كلٌّ منهم يرى نفسه دولة”. حسب وصفها.

أبرز محطات الساروت زمنياً

محمود المحمد (أبو حيان الحمصي)، منشق وناشط ثوري، أحد الأصدقاء الذين عايشوه لفترة من الزمن ضمن السنوات التي قضاها من عمر الثورة، يروي لـ”أروينت” أبرز محطات الساروت منذ بداية الثورة السورية، عبر النقاط التالية حسب التسلسل الزمني:

  1. في العام 2011 كان الساروت يتنقل بصعوبة داخل أحياء حمص، ووجوده الأكثر في أحياء الخالدية والبياضة والقصور، وكانت أولى المظاهرات المسائية عبارة عن مرور سيّارة فيها جهاز ستيريو وهو يهتف بالسيّارة، وهناك عدد لا بأس به يهتف ورائه في شارع الزير بحي البياضة، وكان المتظاهرون يرفعون العلم الأحمر قبل ظهور علم الثورة الأخضر، وسط خوف والغالبية يضع اللثام على الوجه خشية الاعتقال. 
  2. في مرحلة المظاهرات السلمية انتشر اسمه مثل النار في الهشيم عبر أناشيد “حانن للحرية، وماتت قلوب الجيش، وصمتكم يقتلنا”، فسمّي بـ”بلبل الثورة”، وهو شخصية معروفة كونه كان حارس نادي الكرامة، وحارس منتخب سوريا للشباب وحصل على جائزة أفضل ثاني حارس كرة قدم في القارة الآسيوية وهو عنصر أساسي في تشكيلة النادي، وبات المطلوب رقم واحد لميليشيا أسد، فأعلن عبر فيديو انشقاقه عن نادي الكرامة وعن منتخب سوريا للشباب، ومن هنا حاز على لقب “حارس الثورة”.
  3. بعد أن عجزت ميليشيا أسد عن إخماد المظاهرات بالرصاص أنزلت عناصرها إلى الشوارع لتطويق الأحياء الثائرة بالدبابات، ما دفع خال عبد الباسط الشهيد حسين العاتقي، مطلع حزيران 2011، إلى تشكيل كتيبة صغيرة (نحو 20 شاباً) عملها حماية المدنيين في المظاهرات. وكان الساروت يُخاطب الميليشيا بأنشودة “ماتت قلوب الجيش ماتت به النخوة ليش يقتلنا ليش جيش وشعب إخوة”، ما دفع بعض العناصر للانشقاق من الحواجز في حيي البياضة ودير بعلبة.
  4. فيما كان خال الساروت الثاني، فارس العاتقي، المحرّك الأساسي لتنظيم المظاهرات وتأمين حماية لتحركات الساروت عبر مجموعة شبان بالإضافة إلى التغطية الإعلامية لنقاط التظاهر، بشكل سرّي، وأعلنت الميليشيا عن جوائز لمن يدلي بمعلومات عن مكان الساروت وتحركاته، كذلك تعرّض لعدة محاولات اغتيال.
  5. في نهاية تموز 2011 نفّذت ميليشيا أسد حملة أمنية على أحياء البياضة والخالدية، وفرضت حظر تجوال مع نشر المدرعات والقناصات بهدف اعتقال المطلوبين وإسكات المظاهرات، واعتقل النظام عدداً من جيران عبد الباسط ورفاقه وتم حرق منزل أهله.
  6. في الشهر العاشر من العام 2011 اقتحمت ميليشيا أسد منزلاً يُقيم فيه عدد من الثوار، وجرت اشتباكات استخدمت فيها جميع أنواع الرشاشات المضادة للطيران فضلاً عن المدرعات لاقتحام المقرّ، واستمر الاشتباك منذ الساعة 6 صباحاً حتى الساعة 8 مساءً وخلالها استشهد جميع الشبان منهم “وليد” الشقيق الأكبر للساروت وسحبت الميليشيا جثامينهم ومثّلت بها.
  7. هذا ما شكّل لدى الساروت وأخواله نقطة تحوّل لرفع السقف الأمني وتشكيل نواة كتيبة عسكرية لقتال ميلشيا أسد وحماية المظاهرات عُرفت بـ “كتيبة معاذ بن جبل”، أضف إلى ذلك كان للساروت مجموعة تضم نحو 12 شاباً كحماية له من جهة والقيام بما يلزم من تجهيزات للمظاهرات من جهة أخرى، بالإضافة إلى مجموعات لحماية المداخل الرئيسية لحي البياضة أثناء التظاهر.
  8. بعدها توسّعت كتيبة خاله حسين العاتقي، وشارك الساروت معه بتحرير شعبة الحزب في حي الحميدية وقسم الجنائية وحاجزي الإطفائية والقاهرة في حي البياضة، في ذات الوقت كان الساروت يواظب على التظاهر المستمر.
  9. بداية العام 2012 أصبح تنقله أسهل بعد إزالة حواجز الميليشيا بين الأحياء التي كانت تعتليها قناصة أسد، وفي الشهر الثالث من العام 2012 خرج الساروت إلى ريف حمص الشمالي لجلب سلاح وذخائر إثر معلومات تفيد بأنَّ ميليشيا أسد تحشد لاقتحام البياضة ودير بعلبة والخالدية، ثم بدأ الاقتحام لحي دير بعلبة نهاية آذار 2012 وحي البياضة في 10 نيسان 2012.
  10. عاد الساروت إلى أحياء حمص مع بداية الحصار حزيران 2012، وكان يُرابط على أسخن الجبهات منها حي جورة الشياح، وفي العام 2013 استشهد شقيقه “محمد”، وفي معركة المطاحن 8 كانون الثاني 2014 استشهد شقيقاه “عبد الله وأحمد”.
  11. عند تهجير ثوار حمص إلى ريفها الشمالي، انضم باسم كتيبته “شهداء البياضة” إلى فيلق حمص، لكنّه لم يستمر طويلاً ضمن صفوف فيلق حمص، فعاد إلى استقلاليته، واعتمد بشكل أساسي في دعم عناصر كتيبته على غنائم المعارك.

محاربة جبهة النصرة للساروت

كان الساروت ومنذ خروجه من الحصار قد تمركز على خطوط التماس في الجبهات الشرقية لريف حمص الشمالي،(دلاك – خرفان – عجوب)، ليشكّل مع كتيبة خاله حسين العاتقي حالة من الرعب لدى الشبيحة هناك، ومن أقوى العمليات النوعية التي قام بها استهدافه رتلاً تابعاً لميليشيا سهيل الحسن اغتنم من خلاله صواريخ غراد وحشوات مضادة للدروع و قذائف مدفع 57، ما شكّل معادلة ردع للأسد الذي كانت طائراته لا تغادر سماء المنطقة، وتم إخطارهم بأنَّ قصف المدنيين في تلك القرى سيقابله استهداف حواجز أسد في مدينة السلمية بصواريخ الغراد، وعندما وقع 3 قتلى مدنيين بغارة جوية تم استهداف الحواجز، فتوقف القصف الجوي على هذه المنطقة لنحو 8 أشهر.

بعد استشهاد خاله حسين قامت “جبهة النصرة” المتمركزة بالقرب من نقاط الساروت، بالتضييق عليه واتهمته بمبايعة تنظيم “داعش”، ثم بغت عليه فتشتت عناصره ما بين قتيل ومنسحب أو مختبئ عند أناسٍ ثقات، بينما الساروت استطاع الوصول خفيةً إلى الشمال السوري ثم تركيا ولم يكن أمامه سوى الانضمام إلى جيش العزة عام 2017 كونه ممنوعاً من العمل بمفرده، ليعود مجدداً إلى ساحات التظاهر في إدلب عام 2018 عقب توقيع اتفاقية سوتشي وأستانا، وعادت معه روح مظاهرات حمص الأولى. كما يقول الناشط “أبو حيان”.

عاش فقيراً ومات فقيراً

كان يستدين ثمن البنزين لتسيير دراجة نارية في مقابل كان غيره يملك السيارات، إذ رفض العروض المادية التي قُدّمت إليه، وكان شديد الحرص على ألا يقبض أيّة ليرة تحت اسم الثورة، إذ عاش فقيراً ومات فقيراً، بينما تم استغلال شخصه من أشخاص غالبيتهم لم يعيشوا ظروف الحصار والمعارك، هدفهم الشهرة على حساب اسمه أو صورته معهم.

ومن أبرز أسباب حبّ الناس له هو تواضعه ورفضه لأيّ إملاء يقيّد حريّته، ومن مواقف تواضعه عند توقيفه على حاجز لفيلق الشام توقف دون أيّ تذمر مثله مثل أي مواطن. كما اختار أن يتظاهر في مدينة معرة مصرين ثم بلدة حزانو حتى يعطي زخم التظاهر لجميع المناطق في الشمال المحرر مثل مدينة معرة النعمان، ليستشهد في مستشفى بتركيا في 8 يونيو/حزيران عام 2019، متأثراً بإصابته قبل يومين على جبهة تل ملح بريف حماة الشمالي. حسب شهادة صديقه “أبو حيان”.

المصدر أورينت
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل