عشر خطوات لاستيلاد فرح لأطفالك في أوروبا

أحمد جاسم الحسين10 سبتمبر 2022آخر تحديث :
أحمد جاسم الحسين

حين تستيقظ صباحاً، استيقظ بحيوية طفل سوري صغير، يسكن في خيمة، يلبس لباسه، الذي وصل عبر شحنة ألبسة مستعملة من أوروبا. ويخرج ليلعب بـ “المرجوحة” المتهالكة التي قد تسقط كل لحظة، أطفال المخيمات السورية وأمهاتهم مدارس في صناعة الفرح والأمل. احلقْ ذقنك، وأيقظهم، قل لهم: أعطوني “بوسة”، يجب أن توقظهم، لا تيأسْ لأنهم لم يستجيبوا منذ أول مرة، وهم ينظرون إلى وجهك بغرابة، كأنهم يقولون لك: دعنا نكمل نومنا، لا هذا ليس مقصدهم، كل ما في الأمر؛ أنهم تأخروا في السهر وأنت تعرف أحوال السهران حين يستيقظ قبل أن يشبع نوماً!

اشترِ لهم لباساً جديداً. وحين ينامون؛ ضعه على أطراف أسرّتهم أو تحت رؤوسهم. لا تكترث بردة فعلهم، قد يزمّون شفاههم إهمالاً، ربما لن يفتحوا الكيس، لأنه ليس من الماركة التي يحبونها أو يرتديها نجمهم المفضل على (تيك توك)، أغمض عينيك، وحاول أن تبدو كـ أب يعتزُّ بموروثه الشعبي، ولا تدخِلْ إلى رأسك أفكار المثقفين بأن أطفالك يكبرون في مجتمع فرداني ولم تعد الأعياد الاجتماعية تهمهم، وصار أفضل فرح في حياتهم هو فرح عيد ميلاد الشخص. عزاؤك أنك لم تنس نصيحة أمك حين ودعتك ذات يوم قائلة: الغربة مضيعة الأصول؛ فاحذر أن تطيلها كي لا تنسى البلاد.

ابحث عن محل حلويات سورية، حتى لو اضطررتَ أن تذهب إلى مدينة ثانية، ولا تنس الملبس والنوقة. لا تحاول أن تتذكر أنهم لم يعودوا يأكلون تلك الحلويات الشرقية الدسمة، زائدة الحلاوة، وأنهم يعدّونها طعاماً ضاراً بالصحة، انسَ ذلك، فأنت وأم العيال ستتكفّلون بالقضاء على ما يتبقى من علب الحلويات حين تداهمكم الذكريات، وقتها لن تكترثوا بالنصائح الموجهة من مختصي (الدييت) لمن هم فوق الأربعين، تذكر وقتها أن عمرك 18+ فحسب، لعبة السنوات لعبة معاصرة، لا تنس أن أمك قالت لك ذات يوم: تم تسجيلك في دوائر الأحوال الشخصية، حين صار وقت دخولك المدرسة، وإن أختك تم استخراج هوية لها بعد أن كبر أولادها وصار لا بد من تسجيل عقد زواجها في دائرة الأحوال الشخصية.

صرفتَ معظم عمرك بالحسابات وواجهتْك معظم النكبات ممن حسبتَ أنهم الأقرب، ليستْ الحسابات هي دائماً أفضل طريقة للحياة

ابحث عن أشخاص تزورهم من أقارب بعيدين أو معارف، سوريين أو غير سوريين، لا مشكلة، (وسّع) شجرة العائلة قليلاً يا رعاك الله. لا تكترث إنْ انشغل أطفالك إبان الزيارة بالجلوس خلف شاشات موبايلاتهم، عزاؤك أنك حاولت، يكفيك شرف المحاولة، اصنع مجموعة واتساب، مررْ إصبعك على قائمة المتصلين، ضع في القائمة كل من تعتقد أنه يمكن أن يشاركك الفرح، وادعهم إلى حفلة شواء، ولا تفكر بالمشتركات أو اختلاف المستويات، يا أخي؛ صرفتَ معظم عمرك بالحسابات وواجهتْك معظم النكبات ممن حسبتَ أنهم الأقرب، ليستْ الحسابات هي دائماً أفضل طريقة للحياة.

ابق على همتك، وحاول بروح طفل سوري يبحث عن روح أمه وهو يفرك تراب الأرض، حاول بروح أم سورية فقدت ابنها عند داعش أو النظام أو ميليشيات الأمر الواقع التي تملأ البلاد، ولا تزال تنتظر طَرَقات يديه على باب بيتها، أو تتخيل طلَّته، ترنِّم مع فيروز كل يوم: “طلوا حبابنا طلوا”. حاول بروح شخصية سورية مغيبة الآمال، أعطتها نسائم حرية الثورة تحقيق جزء مما حلمت به من “جدّ الجد”، حاول بإصرار لاجئ يريد عبور الحدود باحثاً عن الأمان النفسي والاجتماعي، حاول بحرص شديد كما يحرص سوري لديه فرصة عمل في إسطنبول وأطفاله مستقرون هناك منذ سنوات، درسوا في مدارسها وحفظوا شوارعها، ولا يريد أن يتركها، فيتجنب الشرطة بل يتخلى عن حقوقه؛ خوفاً من دورية مفاجئة!

خذهم إلى دار عبادة كبيرة مزخرفة، ولا تقل لي: إنك لست مهتماً بالموضوع، وإنك تركز على الأخلاق والإنسانية. إنها إحدى فرصك النادرة لتثبت لزوجتك أن كلمتك في البيت مسموعة، وأنك لم تصبح “رجْل كرسي” بعد في هذا المجتمع الفرداني التعاقدي. إنْ رفضوا الذهاب، يمكنك أن تغريهم بمغريات كثيرة، لكن ليس منها الحديث عن الحسنات والجنان المؤجلة، فهذه البلاد علَّمتْهم أن خير الجنان ما يؤكل الآن وليس ما تُوعد به، والجنة هي متعة اللحظة الحاضرة، وليس متعة اللحظة المؤجلة. إنْ لم يستجيبوا نهائياً، يمكنك أن تشتم الاستعمار ونظرية المؤامرة كذلك وفكرة اللجوء.

احرصْ على أن تقدم لأطفالك “مصروفاً زائداً” في يوم الفرح الذي تستولده، هذا تقليد كان يسيل له اللعاب، قدّمه لهم (كاش) احذر أن تحوّله إلى حساباتهم البنكية كأرقام، وقتها لن يشعروا به. وإنْ أبدوا عدم اهتمام حدثهم مثلاً عن “العيدية”، يومَ كنت صغيراً. لا تتوجعْ، ولا تحبس دمعتك، دعها تخرج حرة، كي لا تنعكس على خلاياك أمراضاً. عدم انتباههم لحكايتك مردُّه أنك سبقَ أنْ حكيت لهم الحكاية، السردُ ملكك أنت وحدك، غيِّرْ به قليلاً أو كثيراً، لا حقوق لملكية فيه ولا من سيحاسبك، لا تكرر حكاياتك كل عام كي لا يملّ السامعون منها.

العابرون لن يسألوك لماذا تبكي، أو مَن أخذ أولادك أو أين ضاعوا؟ فأنت لم تعد تعيش في قريتك الصغيرة، يوم كانت القرية كلها تستنفر إن فُقِدَتْ دجاجة، أو ضاع حمار

لا تصطحب أطفالك إلى مدينة الملاهي الكبيرة، لأنكَ ستبحث عن فرح في عيونهم يشبه فرحك حين كنتَ صغيراً، ذلك النوع من الفرح لن تجده، ستسرح هناك في مدينة الملاهي الكبيرة بتلك الألعاب البدائية، التي كنتَ تلعبها، وتتذكر كيف أنك كنت تنتظر عاماً كاملاً حتى تعيش مثل هذا الفرح، انتبه، طفلك الصغير قد يضيع وأنت سارح، ستأتي الشرطة وتسميك “الأب المهمل”، قد يأخذون أولادك منك، العابرون لن يسألوك لماذا تبكي، أو مَن أخذ أولادك أو أين ضاعوا؟ فأنت لم تعد تعيش في قريتك الصغيرة، يوم كانت القرية كلها تستنفر إن فُقِدَتْ دجاجة، أو ضاع حمار.

اجلسْ مع “أم العيال”، فمنذ زمان طويل لم تجدا موضوعاً مشتركاً في هذه البلاد الجديدة، تبادلا الأفكار حول كيفية صنع فرحٍ مختلف لأطفالك في بلادٍ، جعلت أيام مواطنيها كلها أعياداً، ولم يعد أطفالها/ أطفالك ينتظرون العيد الاجتماعي السنوي لتحقيق الأماني، ستجد أن “أم العيال” التي كانت تدير مملكة البيت في سوريا، لديها أفكار، وتجربة مختلفة.

يحدثني صديق: حين سألتُ “أم عيالي” عما يمكن فعله في هذه البلاد لصنع فرحٍ مختلف لصغاري، قالت لي: منذ زمان طويل لم تلعب معهم لعبة “الطفل الذي يسقط عن ظهر الحمار”، وهكذا وجدتُني أتخذ وضعية المشي على اليدين والقدمين معاً، ويصعد أطفالي على ظهري وأدور بهم في صالون البيت، هم فرحوا بالوقوع والصعود مجدداً، وأنا مارستُ الرياضة، وزوجتي كانت تصور المشهد، وتضعه على مجموعة “واتساب” العائلة مفتخرة بزوجها الذي يرغب بصنع فرح مختلف لأطفاله بأوروبا، حتى لو أخذ دور الحمار.

قصيدةُ المتنبي:
عيدٌ بأية حال عدت يا عيد// بما مضى أم بأمر فيك تجديد

أما الأحبة فالبيداء دونهم// فليت دونك بِيداً دونها بِيد

وقصيدة إيليا أبو ماضي بصوت ناظم الغزالي: أيُّ شيء في العيد أهدي إليك؟

لا تردّدهما ولا تسمعهما، الأفضل ألا تتذكرهما. سيثيران بك شجوناً ويفتحان جروحاً لا تحتملها روحك الممتلئة ندوباً ولجوءً وانكساراً.

من تجربتي الشخصية الفاشلة أقول لك: الأمنية التي لا تستطيع أن تحققها، ابتعدْ عنها، وتجاهلها، لن تورثك سوى الحزن والقهر وغمّ القلب، وأنت أخذتَ حقوقك من القهر والحزن والفقر والجوع إلى عشرة أجيال قادمة.

المصدر تلفزيون سوريا
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل