ما بين الكلمة والدولار.. معركة مهور على فيسبوك!

عائشة صبري6 يونيو 2021آخر تحديث :
ما بين الكلمة والدولار.. معركة مهور على فيسبوك!

جدلٌ واسعٌ شهدته وسائل التواصل الاجتماعي لا سيما “فيسبوك” خلال اليومين الماضيين، حول قيمة المهر المقدّم للعروس في عقد قرانها على زوجها، وذلك نتيجة انتشار عقدي زواج أحدهما في مصر اعتمد على الكلمة فقط دون المال، والآخر في محافظة إدلب السورية اعتمد على مهر قدره أربعون ألف دولار أمريكي.

العقد الأول، جاء في بند المهر جملة: “من يُؤتمن على العرض لا يُسأل عن المال اتقِ الله في كريمتنا”، طلبها والد العروس مريم ناصر عبد اللطيف مخلوف، في محافظة الدقهلية المصرية من العريس محمد علي المعداوي، بأنَّ هذا مهر ابنته، وذلك في مخالفة لعادات المجتمع السائدة في غلاء المهور التي تُعرقل زواج الشباب وترفع نسبة العنوسة لدى الفتيات.

ولاقت ورقة العقد انتشاراً واسعاً في الوطن العربي، وهي تضيف مسؤولية كبرى للعريس، لكن المفاجأة هي كميّة انتقاد والد العروس، وبعضها كان يُمثّل إهانة لأصحاب العقد، باعتبار الكثير كتب تعليقات -بشكل مؤكد- أنَّه سيطلقها ويرميها في الشارع ويضحك بعدها “ضحكة الشيطان”. على حد وصفهم.

ومن الإهانة للعروس، اعتبار البعض أنَّ المال هو الضمانة الوحيدة للمرأة لحفظ حقوقها، معتقدين أنَّها تزوّجت بالمجان والزوج سيعتبرها “رخيصة”، لكن في الحقيقة المال لا يُحافظ على حقوقها، فعندما يكون الزوج سيء الخلق والمعاملة وتعجز الزوجة عن إصلاحه، تتحول حياتها إلى جحيم لا يطاق.

وإن لم يوافق على طلب الطلاق تلجأ للخلع وتتنازل عن حقوقها المكتوبة في العقد، فقط لأجل الخلاص منه، وهناك قصص كثيرة دفعت المرأة أكثر من المهر للمحامي أو لزوجها لأجل معاملة الطلاق. وبالنسبة للزوج في مصر فهو معرّض للسجن بتهمة تسمّى (تبديد القائمة وعقوبتها ستة أشهر سجن) ما يجعله خائفاً على أثاث المنزل في حال اشتكت الزوجة عليه بدعوى تبديد.

أمَّا بالنسبة للعقد الثاني، فقد تناقل ناشطون على موقع “فيسبوك” تسجيلاً مصوراً يظهر عقد قران تاجر سيارات يُدعى خالد جبر، على الصيدلانية ريماس السعيد، وقدر المهر أربعون ألف دولار أمريكي نصفهم مقبوض والباقي مؤجل، إضافة إلى هدية للزوجة منزل باسمها وكيلو ذهب، وذلك في مدينة سرمدا شمال إدلب.

واختلفت الآراء لدى المعلّقين على الموضوع، فمنهم من انتقد غلاء المهر باعتبار أنَّ الفتيات سيرغبن بتقليد العروس، وبالتالي عرقلة الزواج أكثر لدى الشبان في ظلِّ ظروف الحرب وغلاء الأسعار والتهجير القسري وانتشار المخيمات على مدى مساحات الشمال السوري المحرَّر، فيما وصل الأمر بالبعض إلى شتم العروسين وذمّهم بكلمات نابية.

وفئة أخرى اعتبرت أنَّ الموضوع طبيعي، فالمهر يختلف حسب طبقات المجتمع ما بين فقير ومتوسط الحال وغني، والعريس المذكور معروف بغناه وأحبَّ إكرام زوجته التي هي ابنة طبيب معروف في المنطقة، وإذا كان غلاء المهر مستغرباً عُرفاً، فهو ليس ممنوعاً في الشريعة الإسلامية التي لم تحدد سقفاً للمهر بدليل قوله تعالى: “وإن آتيتم إحداهنَّ قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً”، رغم توصية النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة بعدم غلاء المهور تيسيراً على الشباب.

وما ينتشر من تقسيم المهر إلى مقدَّم مدفوع ومؤجل غير مدفوع، يعود إلى “العرف” وهو أحد أدلة الأحكام الشرعية، ويعني ما تعارف عليه الناس، وكان لا يُخالف دليلاً شرعياً ولا يحلُّ محرماً ولا يبطلُ واجباً، ومنه ما يقدّمه الخاطب لخطيبته فهو يعتبر هدية، وليس من المهر، وبالتالي لا يتوجب إعادته له عند فسخ الخطوبة، وفي وقتنا الحالي بات البعض يكتب المهر بغرام الذهب أو بالدولار نظراً لانخفاض قيمة الليرة السورية، فيما يرى الشباب في هذا تعجيزاً لهم، فهم غير قادرين على دفع هكذا مهور.

والمهر في الإسلام حسب جمهور العلماء، ليس شرطاً من شروط النكاح الستة، ولا ركناً من أركانه الاثنين، فيصح عقد النكاح بدون تسميته، أو استلامه، إلا أنَّه حقّ للمرأة فرضه الله لها على الزوج، والمطالبة به حقّ للمرأة، ويجوز لها أن تسقطه، إذا طابت بذلك نفسها، قال تعالى في سورة النساء: “وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا”.

وذكر ابن القيم في “زاد المعاد” أنَّ الأحاديث الدالة على تخفيف المهر ومنها («خير الصداق أيسره»، «التمس ولو خاتماً من حديد»)، تضمنت “أنَّ الصداق لا يتقدر أقله، وأنَّ المغالاة في المهر مكروهة في النكاح وأنَّها من قلة بركته”. وبهذا يتبيَّن أنَّ ما يفعله الناس من مغالاة المهور أمر مخالف للشرع. فالحكمة من التخفيف هي تيسير الزواج حتى لا يقعوا في مفاسد خلقية واجتماعية متعددة.

وفي الختام أودُّ أن أذكّر بأنَّ الزواج عبارة عن سكينة ورحمة ومودة بين الزوجين، مثلما قال تعالى في سورة الروم: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”، وليس الزواج تجارة ربحية كما يفعله البعض، فعندما خالف الناس ما شرّعه ربّ العالمين، انتشر الطلاق وكثرت قصص النفاق.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل