ليس صدام حسين أول المتوفين الذين يزرعون الخلاف بين الأحياء في هذا الشرق الذي يقع في مدن الملح، تاريخنا الشرقي حافل بمثل هذا الاختلاف، لعلّ أبرز مثال عليه الحسين ومعاوية، وعلي، حيث قتل الكثير من السوريين بسبب الخلاف حولهم، مع أنهم لاعلاقة مباشرة لهم بالأمر، وقد كانوا مدخلاً لنزاعات ونزعات مرضية وعصبوية مرضية معاصرة.
ركب صدام حسين موجة العروبة، أو أنها حملت أحلامه، وقد خدمه أنه كان ابن عشيرة وقرية، حيث كان نموذجاّ للشخصية الشعبية، وقد استثمر موجة العواطف والتعاطف فدخل في مرحلة إلهاب الشعور حول الصراع مع الفرس، غلّب الخلافات مع إيران/الفرس بصفتهم (عدو) وخفّف من أهمية المشتركات، فدخل حرباً لا يدخلها إلا مغامر، حيث استثمرتْه دول مجاورة ليحيمها، واستثمر هو حاجتها إليه، ارتكب أخطاء لا يرتكبها إلا أحمق أو متهور، فاحتلّ الكويت ودخل في صراعات أكبر منه ومن حجمه بكثير، وهذه أبرز سمات القائد المتهور.
كان صدام يجيد لعبة اللعب على عواطف العامة، فاستعمل لقب (أخو هدلة) وقام بمسرحيات كثيرة لها علاقة بكسب ودّ العامة، غباؤه السياسي وتهوره قاداه إلى الوقوع في أخطاء كبيرة جداً كانت سبباً في جرّ الويلات لبلده والبلاد المجاورة.
جاء إلى عالم السياسة من عالم العشيرة والعسكرة، وهذان عالمان لايصلحان لقيادة بلد، قد يصلحان لرئاسة مخفر أو محافظة أو منطقة، لكن قيادة بلد أمر مختلف كلياً.
ركبّ رأسه فأطلق صورايخ رمزية نحو “إسرائيل” وعوّل على دول خذلته وقت الحاجة، وتلاعبت به المخابرات العالمية، حتى لم يجد من يستقبله، فأعدم في ليلة مباركة في عملية إذكاء للثأر لن تنتهي أثارها وقد تكون سبباً في كسب تعاطف لا ينتهي… وحدثت إبان اعتقاله ومحاكمته وإعدامه الكثير من التفاصيل التي جعلت عددا ممن يختلف معه يدخل في دائرة من دوائر التعاطف معه…
وكانت وفاته مدخلاً لتسليم العراق إلى إيران وتغييرات بالمنطقة لم تنته حتى يومنا هذا… فشغل الناس حياً وميتاً باختلاف الناس حول رمزيته ودلالاته المتناقضة من طرف إلى طرف آخر.
مثله مثل أي طاغية ومستبد ورئيس قد يجد متعاطفين معه ليس بهدف الوقوف ضد ضحاياه، لكن لسبب آخر وهو أنهم لم يلتفتوا إلى هذا الجانب، بل إلى جانب آخر، وهو أنه داعب مشاعرهم، أو أنهم كانوا يعتقدون أن حامي الكرامة العربية، علماً أن الكرامة العربية لا يحيمها غير العدل والمساواة والقوة والأخلاق.
صدام والكرد
الحلم الكردي بتأسيس دولة (وهو حق مشروع لهم) كان أحد نقاط خلاف صدام معهم، وبالتالي فإن مساعيهم ومناوشاتهم لتحقيق هذا الحلم أقلقته وجعلته يرتكب جرائم بحقهم راح ضحيتها آلاف من الكرد، وللتنبيه هو قتل كل من اختلف معه ووصلت يداه إليه بما فيهم أقاربه.
كان غبياً إلى أبعد الحدود في هذا الجانب من خياراته، فالكرد ليسوا في ميزان واحد مع الفرس، تاريخياً لا يجمع العرب معهم غير المودة وحسن الجيرة (بحسب علمي) وكان من الذكاء كسبهم وليس زرع القتل والدم بينهم وبين العرب، في النهاية هو لا يمثل إلا نفسه في عالم القتل.
مواقف السوريين منه تختلف اختلافاً شديداً، فقد أبرز لهم في نفسه صفات تجعل كثيرين يعتقدون أن الأمة حين فقدته فقدت جزءاّ من كرامتها، ولا أظن أن كرامة أمة تبنى بإلغاء الآخرين أو زرع بذور الاختلاف مع المحيطين بنا!
على صفحتي “الفيسبوك” عدد كبير من الأشخاص الذين يشتمونه ويعدونه رمزاً للقتل والإجرام وأشخاص آخرون يشيدون به!!!
ولا أظن أن أحداً يقبل بالانتصار لقاتل، حتى لو كان هذا القاتل فناناً في كسب المشاعر، وحوكم وأعدم بطريقة غير ملائمة…!
أنظر إلى منشورات الطرفين وأوضح ما يلي:
صدام كان يقود بلداً اسمه العراق، (انتخى) بالعروبة والريفية والعشيرة، وربما كان له حسنات كثيرات في مراحل من عمره، مثلما كان لبشار الأسد حسنات كثيرات قبل الثورة، ثم أصبح قاتلاً أو آمراً بالقتل باحتراف، لكن يجب أن نتساءل معاً بعيداً عن الشتيمة والإلغاء:
سأفترض أنه لا تربطني مع الكرد أي علاقة، ولا أعرف أحداً منهم، هل أقبل إنسانياً أن أقف مع قاتل قتل آلاف المدنيين؟
فكيف إذا كان الكرد بالمفهوم السوري منا ونحن منهم بكل المفاهيم الجغرافية والتاريخية والأقارب والهواء والتاريخ…؟
هذه دعوة لمراجعة مواقفنا بطريقة نقدية هادئة، ربما لم ننتبه، وفاتنا التعاطف مع الضحايا، ربما ظروفنا المتعبة كسوريين ونبحث عن مخلص أو رمز!
السؤال المكرر هل يعني أن يكون أخوك ابن أمك وأبيك قد ساعدك في مرحلة ما من حياتك، أو كون أمكم واحدة أن تتعاطف معه إنْ قتل آلاف الأشخاص مثلاً؟
أيهما نقدم.. الحمية العشائرية والقومية أم الإنسانية؟
لنكن صرحين هل نبحث عن بناء دول؟ أم سنعود إلى الحمية العشائرية فحسب؟
من هنا فإن (انتخاء) هذا المعارض أو ذاك بصدام ليس له قيمة أخلاقية أو قانونية أو إنسانية، خاصة إن كان هذا المعارض يمثل شعباً في مرحلة ما من المفاوضات!
إنه لأمر معيب ومخجل أن أستذكر شخصاً يشكل رمزاً إجرامياً لدى شريحة من السوريين لأستفزهم به أو لأذكرهم بما ارتكب من جرائم، إنه منتهى الغباء السياسي وفقدان الحكمة!
وأرجو ألا يقول لي أحد إن هناك تصرفات عند هذا الحزب أو ذاك أو هذه القومية أو تلك سلبية أو انفصالية أو عنصرية! هذا طبيعي، بل يمكنكَ أن تعدد لي الكثير من الاضطهادات التي قام بها هذا الحزب الكردي أو الفصيل العربي أو ذاك، هذا طبيعي في مراحل الحروب والتحولات، المهم البحث عن هذه العثرات وتعريتها والتعويل على المستقبل وما يجمعنا نحن المتشاطئون السوريون.
الطبيعي أن يبحث المثقف عما يجمع أبناء بلده ويحاول فيْنقة عناصر الهوية الجمعية وليس البحث عما يذكي نيران الخلاف.
ولعله من الحكمة عند الأطراف المختلفة الابتعاد عن التوصيفات المسيئة للأطراف السورية الأخرى.
أحسب أن مثل هذا التصريح أو ذاك حول شريحة من السوريين في هذه المرحلة من الغباء بمكان، ذلك أن أجزاء عزيزة من بلدنا تمرّ بمرحلة خطيرة وعلينا البحث عن المشترك في هذه المرحلة.
من المفيد أن نبحث عما يجمع ما تبقى من الأحياء السوريين! أو يحيمهم! أما الأموات فلندعهم وربهم، إلا إنْ وجدنا في مقولاتهم ما يجمع السوريين وليس ما يفرقهم!
كونوا على ثقة أيها (النشامى) لو أن صدام كان حياً اليوم، لأعاد النظر بكل استراتيجياته، وربما لقتل نفسه بنفسه لوماً، ولندم على كل ما فعله مع الكرد ولأيقن أن الدول لا تدار بهذه الطريقة التي قام بها، وإني لواثق أنه ليس بحاجة لمن ينطق بدلاً عنه أو مكانه أو يستنطقه.
لدينا مع الكرد رموز جميلون منهم محمود درويش وسليم بركات وصلاح الدين مثلاً، هل نبعث لمن يدعون المعارضة السورية بقائمة مما يجمعنا مع الكرد من الأفكار والرموز والشخصيات والجغرافية والمصاهرات والبطولات والود والمستقبل؟؟؟
هل سيستمعون؟
سؤال بسيط أختمُ به: هل يقبل ضميرك وأخلاقك وقيمك مناصرة قاتل؟ دعك من كونه صدام أم سليماني أم بشار؟ هل تقبل أن تربّي أطفالك على مناصرة قاتل؟
سؤال لا بد أن نجيب عنه كسوريين قبل أن نكمل معاً قطار المستقبل، قطار العبور نحو سورية المستقبل؟
القتل ومناصرة القاتل ليست وجهة نطر، فإن كان ركاب “الباص” نحو سورية المستقبل يسوغون القتل مهما كان مصدره، هذه فاجعة ما بعدها فاجعة!
عذراً التعليقات مغلقة