فراس علاوي – حرية برس:
تختصر صورة ذلك الرجل الستيني .. المثقل بهموم الحياة , الذي تقرأ في ملامحه مأساة شعب كامل , مأساة شعب بكل تفاصيلها من موت ودمار وتشرد .
هنا أعدموا ولدي , يقف ذلك الرجل رافعاً يديه كهيئة ولده يوم صُلب , يستحضر كل أنواع الأسى والقهر.
هنا أعدموا ولدي , وقد كنت على بعد أمتار لم أستطع حتى الصراخ, لم أملك حق النحيب عليه .
كانت عيونهم فقط ما يظهر من تعابير وجوههم القاسية , في منبج حيث كانوا يقتلون ويصلبون .
هنا أعدموا ولدي , مشهد يختصر كل مآسي الحالة السورية.
حيث وطن يغتصب , وبلاد تعدم دون أن يملك أبناءها حق النحيب أو الصراخ .
صورة تختصر حالة وطن مصلوب على جدار البربرية المدعومة من كل شذاذ الافاق , الذين وطأوا هذه الأرض المقدسة.
كثيرون لا يعرفون ما جنت يدا ذلك الابن ولا لماذا أعدم , كما كثيرون لا يعرفون لمَ يحاسب شعب نادى بالحرية.
كثيرون هم من فقدوا أبناءهم في هذه الحرب , وقلة من يعرفون أين ترقد جثامينهم , وحدهم يملكون حق رفاهية زيارة قبور شهدائهم , أولئك من سقط أبناؤهم على الجبهات وعاد الرفاق بأجسادهم .
كثيرون سقطوا في المعتقلات , لم يعرف تاريخ لموتهم , ولا كيفية هذا الموت , كان موتهم مجرد إعلان عن رقم , يستلمه ذويه , رقم سقط في معادلة الأصفار على الشمال , في زنازين نظام أدمن القتل وأمن العقوبة.
تعيد صورة ذلك الرجل للأذهان , كثيراً من صور الأباء والأمهات الذين جلسوا يراقبون عن بعد مقتل فلذات أكبادهم, بطرق مختلفة تفنن فيها قاتلوهم من صلب لذبح لإحراق , تصرخ أم مفجوعة بابنها في سراديب الموت الأسدية.
تصرخ هذه المرة لا في وجه القاتل , بل تصرخ في وجه أم ثكلى أخرى , تهدئ من روعها, تقول لها يكفي أنك ستحملين جثته , فأنا لم أتمكن حتى من رؤيته وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة , ولا أعرف مكاناً لقبره .
خمسة أعوام مرت على بدء معاناة السوريين , منذ قرر النظام استخدام القوة والنار , لوأد شعب كامل كانت تهمته أنه صرخ للحرية.
متلازمة العنف والموت التي استخدمها النظام , كانت نتيجتها أكثر من نصف مليون شهيد , وأضعاف العدد من الجرحى والمعاقين , ملايين المشردين في أصقاع الأرض , ومئات آلاف المغيبين في غياهب سجونه.
في ظل صمت عالمي رهيب مطبق , وتخاذل عربي عن نصرة شعب آمن بثورته ودفع ثمناً غالياً من أجل أن ينالها .
أصبحت خلال هذه الأعوام قضيته وجبة دسمة على مائدة الرؤساء والزعماء , وصيداً ثميناً لنشرات الأخبار التي بدأت تتناوله بحماس منقطع النظير, ليخف بريقه شيئاً فشيئاً, ويصبح ترتيبه الخامس وربما سقط سهواً من بعض نشرات الأخبار.
هكذا راهن النظام على وأد الثورة وإطفاء بريقها, وإخماد صوت أبناءها, لكنه في كل مرة كان يصيبه الخذلان, حين يهب هذا الشعب من جديد.
من تحت الرماد كما طائر العنقاء يهتف لحريته ويرفع علم ثورته , مخطئ من يعتقد أن ثورة بهذه القوة وهذا الصمود سوف تنتهي بهذه السهولة , ثورة كطائر العنقاء تولد من رحم الموت , لتصرخ للحرية .
أطفال ولدوا في سنين الثورة الأولى أصبحوا رجالاً يقودون حربها , كتيبة الدفاع الجوي في حلب – مشعلو الإطارات – الثوار الجدد, هم أبناء الثورة, رضعوا حليب الكرامة من أثداء أمهات كن يجهزن أولادهن للذهاب للمظاهرات , ويعبئن جعب الرصاص للشهداء قبل أن ينطلقوا لمعارك الحرية.
صورة اختصرت معاناة وطن , فهل سيأتي يوم يقول فيه الأحرار هنا أرادوا صلب وطني.
*أب سوري من مدينة منبج، يصلب نفسه رمزياً في نفس المكان الذي أعدم فيه تنظيم داعش ابنه.
عذراً التعليقات مغلقة