حضر بشار الأسد قمة الجامعة العربية في البحرين هذا الأسبوع، بعد مرور ما يقرب من عام على إعادة نظامه إلى الجامعة العربية في القمة التي انعقدت في السعودية عام 2023.
ويقول أندرو جيه تابلر، وهو زميل أقدم في برنامج الزمالة “مارتن ج. غروس” ضمن “برنامج روبين فاميلي حول السياسة العربية”، في تقرير نشره معهد واشنطن إن “إلقاء نظرة سريعة على أعمال ‘لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا’ التابعة للجامعة العربية، إلى جانب الزيادة الأخيرة في الضربات العسكرية الأردنية ضد شبكات تهريب الكبتاغون عبر الحدود، يُظهر أن الانخراط العربي مع الأسد قد فشل في إعادة تأهيل النظام”.
وفي عام 2021، بعد عشر سنوات من تعليق الجامعة العربية عضوية سوريا بسبب القمع الوحشي الذي مارسه نظام الأسد ضد الانتفاضة، بدأ الأردن ومصر تقاربا مشروطا مع نظام دمشق. وفي محاولة يائسة لإعادة فتح الحدود الشمالية وتعزيز التجارة وتسهيل عودة اللاجئين السوريين أصدرت عمّان ورقة بيضاء حول الانخراط تضمنت خطة معقدة لنقل الكهرباء الأردنية والغاز الطبيعي الإسرائيلي والمصري عبر سوريا إلى لبنان.
وما وقف في طريق ذلك هو عزلة الأسد الإقليمية والعقوبات الأميركية التي فرضها “قانون قيصر”، والذي يقيد الاستثمار في إعادة الإعمار في الأجزاء التي يسيطر عليها الأسد بسوريا إلى أن تتم محاسبة شخصيات النظام والتوصل إلى تسوية سياسية قابلة للتطبيق.
وفي ذلك الوقت كانت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تدعم مبادرة الطاقة كوسيلة لتحسين الوضع الإنساني المحلي. ووفقاً لبعض التقارير اعتبر مسؤولو الإدارة الأميركية أن شروط الصفقة، وهي نقل الغاز والكهرباء عبر سوريا مقابل تسديد دفعات عينية إلى دمشق تصل إلى 8 في المئة من الطاقة المنقولة، لا تشكل “صفقة كبيرة” بموجب “قانون قيصر”. وفي النهاية لم تترجَم الفكرة على أرض الواقع، ويرجع ذلك جزئياً إلى عدم قدرة الإدارة الأميركية على تقديم ضمانات مكتوبة حازمة بأن المعاملات المخطط لها سوف تكون معفاة من العقوبات.
وحتى عندما كان المسؤولون العرب يحاولون تنفيذ صفقة الطاقة هذه في الفترة 2022 – 2023، كانت شبكات نظام الأسد تزيد بشكل كبير من إنتاج الكبتاغون، المنشط الاصطناعي المسبب للإدمان الشديد، وتهريب كميات هائلة منه إلى جميع أنحاء المنطقة.
ومن الصعب تحديد حجم الإيرادات التي حققتها هذه العملية (ولا تزال تحققها) لنظام الأسد بدقة، لكن المناطق التي يسيطر عليها الأسد في سوريا كانت تنتج الغالبية العظمى من مادة الكبتاغون غير المشروعة في العالم، والتي قُدرت قيمتها بنحو5.7 مليار دولار في عام 2021. وفي المملكة العربية السعودية وحدها تم ضبط 107 ملايين حبة في عام 2022، والتي كانت ستصل قيمتها إلى 2.7 مليار دولار بسعر تقريبي يبلغ 25 دولارا للقرص الواحد.
ومع خروج مشكلة الكبتاغون عن نطاق السيطرة، وتدهور الوضع الإنساني في سوريا بعد الزلزال الكبير الذي ضرب سوريا في فبراير 2023، وعدم إحراز أي تقدم نحو تسوية سياسية سورية، قررت السعودية استئناف العلاقات مع الأسد ودعم إعادة انضمام بلاده إلى الجامعة العربية في قمة جدة عام 2023. وكان الهدف من هذا النهج، الذي طرحته الإمارات العربية المتحدة للمرة الأولى، حل الكثير من المشاكل المستعصية في وقت واحد من خلال منح الأسد حوافز إيجابية لتغيير سلوكه.
وبناءً على ذلك تم إنشاء “لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا ” في مؤتمر القمة، والتي تضم الأمين العام لجامعة الدول العربية وممثلين عن مصر والعراق والأردن ولبنان والسعودية وسوريا.
وكُلّفت اللجنة بأربع مهام رئيسية: (1) الحد من إنتاج الكبتاغون وتهريبه، (2) إعادة اللاجئين إلى سوريا، (3) دفع عجلة العملية السياسية السورية عبر اللجنة الدستورية، (4) تشكيل لجنة لـ”تنسيق الأمن الإقليمي”. ولم يتم تحديد هدف معيّن ولكنه كان مدرجاً في المبادرة وهو تقويض نفوذ إيران وحزب الله المتوسع في سوريا، والذي يشمل على سبيل المثال لا الحصر شبكات الكبتاغون.
وفي أعقاب الاجتماع الافتتاحي في القاهرة خلال أغسطس الماضي، وُلدت “لجنة الاتصال” ميتة في الأساس بسبب استمرار تدفق الكبتاغون إلى الخارج، ما أجبر الأردن على اتخاذ إجراءات عسكرية متزايدة. وبحلول نهاية سبتمبر كانت قوات المملكة قد أسقطت أربع طائرات دون طيار انطلقت من الأراضي التي يسيطر عليها الأسد، وشنت غارات جوية على منشآت إنتاج المخدرات بالقرب من قرية أم الرمان الحدودية السورية.
ورداً على ذلك اعترف وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، الذي أيد صراحةً إشراك الأسد، علناً بأن تهريب المخدرات قد زاد في السنوات التي تلت افتتاح عمان لمحادثات التطبيع. وتوسَّع هذا النشاط بصورة أكثر في الأشهر اللاحقة، حيث ساعد ظهور الضباب الشتوي المهربين على التهرب من الدوريات وكاميرات الحدود.
وتشعر السلطات الأردنية بقلق أكبر إزاء تزايد مصادرة الأسلحة المهربة من سوريا، إذ يمكن استخدام أي أسلحة يتم تهريبها عبر الحدود محلياً أو نقلها إلى الضفة الغربية لتأجيج التوترات الإسرائيلية – الفلسطينية بصورة أكثر وسط الحرب على غزة.
وكشفت مصادر أردنية هذا الأسبوع عن ضلوع إيران، على ما يبدو، في تسهيل عمليات النقل هذه. فقد أشارت المصادر، في تقاريرها عن المخبأ الذي تم ضبطه في مارس، إلى أن الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا قد أرسلت أسلحة إلى خلية تابعة لجماعة الإخوان المسلمين مرتبطة بـحماس في الأردن. وفي ضوء هذه التفاصيل، ربما لم تعد عمّان قادرة على التزام الصمت الحذر بشأن التواطؤ الإيراني في مجموعة التهديدات الصادرة من سوريا.
وبغض النظر عما ستؤول إليه قمة المنامة، أثبت نظام الأسد أن الحوافز الإيجابية لن تغير سلوكه بشأن تهريب الكبتاغون، وتهريب الأسلحة، وغير ذلك من التهديدات. فقد استمرت هذه المشكلة حتى عندما سُمح لدمشق باستخدام قناتها المفضلة للانخراط الدبلوماسي المستقل من أعلى المستويات إلى أدناها مع الرياض بدلاً من الاستجابة للنهج القائم على الشروط بقيادة الأردن.
Sorry Comments are closed