تصعيد الخطاب ضد اللاجئين السوريين.. ماذا يريد لبنان؟

فريق التحرير18 مايو 2024آخر تحديث :
عناصر من الأمن العام اللبناني تتولى عمليّة إعادة اللاجئين السوريين

تتصاعد لهجة الخطاب داخل لبنان ضد اللاجئين السوريين. قطاعات كبيرة في لبنان ترى أنهم يمثلون عبئاً ثقيلاً يجب التخلص منه. فماذا وراء دعوات لبنانية لفتح البحر أمام السوريين لمغادرة البلاد والتوجه إلى أوروبا؟

قبل أيام، دعا حسن نصر الله الأمين العام لمليشيا حزب الله، السلطات اللبنانية إلى “فتح البحر” أمام اللاجئين السوريين، بهدف الضغط على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة للمساعدة على إعادتهم لبلدهم وتقديم المساعدات لهم هناك.

وقال نصر الله في خطابه الذي نقلته محطات تلفزيونية: “لنكن أمام قرار وطني يقول فتحنا البحر، أيها النازحون السوريون، أيها الإخوة كل من يريد أن يغادر إلى أوروبا، إلى قبرص هذا البحر أمامكم.. اتخذوه سفناً واركبوه”.

وتابع نصر الله: “لم نطرح يوماً أن نجبر النازحين السوريين على أن يركبوا السفن.. نقول أعطوهم هذا الهامش.. هم الآن ممنوعون ولذلك يذهبون عبر التهريب وفي قوارب مطاطية ويغرقون في البحر لأن الجيش اللبناني ينفذ قراراً سياسياً بمنع الهجرة”.

ويشكو لبنان، الغارق في أزمة اقتصادية غير مسبوقة في تاريخه، مما يقول إنه عبء استضافة نحو مليوني سوري على أراضيه، فروا من الحرب في بلادهم. وبحسب بيانات الأمم المتحدة فإن من بين هذا العدد يوجد نحو 800 ألف سوري فقط هم المسجلون رسميا كلاجئين، ما يجعله أعلى عدد من اللاجئين في العالم نسبة لعدد السكان.

ضغوط على الغرب؟

زعيم مليشيا حزب الله اعتبر أن وجود إجماع وطني على فتح البحر أمام اللاجئين السوريين كفيل بدفع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى المساعدة في إيجاد حلّ لأزمة اللاجئين السوريين في بلاده، وقال إن هذا الأمر كفيل بإيصال رسالة “تقول لهم نريد أن نتساعد والدولة السورية لإعادة النازحين إلى سوريا وأن تُقدَّم لهم مساعدات فيها، وتصبح الأمور كافة قابلة للحل”.

ودعا نصر الله البرلمان اللبناني إلى الضغط على الاتحاد الأوروبي وواشنطن لرفع العقوبات المفروضة على سوريا والتي قال إنها تعيق عملية إعادة الإعمار، وأضاف: “إذا لم ترفع العقوبات عن سوريا، فلا يمكن إعادة اللاجئين إليها”.

يقول نضال سعيد السبع المحلل السياسي اللبناني إن “هناك انقسام داخل البلد، فهناك أطراف تمثلها قوى 14 آذار تدفع إلى إعادة اللاجئين إلى سوريا وبالتالي تحميل النظام السوري هذا العبء، وهناك طرف آخر تمثله قوى 8 آذار والتي تقول ما عبّر عنه نصر الله، أي افتحوا البحر للسوريين وفي اليوم التالي سيأتي الأوروبيين ويقدمون مساعدات اقتصادية”.

وأضاف خلال اتصال هاتفي مع موقع مهاجر نيوز: “لا شك أن إعادة اللاجئين قسراً إلى سوريا ليس حلاً في الوقت الحالي، خاصة وأنه ربما يكون جزء من هؤلاء اللاجئين معارضين لنظام الحكم في سوريا، كما أن دفع اللاجئين للهجرة وفتح البحر أمامهم للذهاب نحو أوروبا ربما يعرضهم لمخاطر، خاصة وأننا شهدنا العديد من الحوادث التي أدت إلى غرق قوارب للاجئين”.

مساعدات دولية للبنان

ويرى خبراء ومحللون أن أزمة اللاجئين السوريين في لبنان تشكل ورقة سياسية بيد القوى السياسية، خاصة وأن الاتحاد الأوروبي يخشى من استقبال المزيد من موجات اللاجئين، كما أن هذا الضغط يهدف لدفع الأوروبيين والولايات المتحدة لرفع العقوبات المفروضة على نظام الأسد.

يأتي ذلك فيما أعلن الاتحاد الأوروبي مؤخراً عن حزمة مساعدات مالية للبنان تقدر بنحو مليار يورو، وهو ما اعتبرته جهات سياسية داخل لبنان بأنه “رشوة” تهدف إلى إبقاء النازحين السوريين في البلاد ومنع تدفقهم بطرق غير نظامية إلى أوروبا.

لكن ساندرا دو وال، سفيرة الاتحاد الأوروبي في لبنان قالت “إن هذه الحزمة ليست لدعم هجرة اللبنانيين من بلدهم كما يتم التسويق إعلامياً، وإنما هي استمرار لدعم الاتحاد في مختلف القطاعات الحيوية”.

وأضافت أن “المساعدات ستُصرف لدعم القطاعات الرئيسية في لبنان مثل الحماية الاجتماعية والصحة والمياه والتعليم، ودعم الحكومة في توفير الخدمات الأساسية للفئات الأكثر ضعفاً في البلاد”، موضحة أن “الجزء الأكبر من هذا الدعم يستفيد منه اللبنانيون مباشرة”، معتبرة “أن هناك سوء فهم لمسألة دعمنا للاجئين”.

في هذا الإطار، يقول نضال سعيد السبع المحلل السياسي اللبناني إن لبنان يعاني من أزمة اقتصادية كبيرة وهناك أصوات داخل البلد تدعو إلى الاقتداء بما فعله أردوغان مع أوروبا.

وأضاف أنه “منذ الأزمة السورية في 2011 بدا واضحاً أن الرئيس التركي ابتز الأوروبيين وكان عملياً يفتح الباب أمام هجرة السوريين باتجاه أوروبا وهو يدرك أن هذا الأمر حساس بالنسبة لتركيبة أوروبا وعدم قدرتها على استيعاب هذا الكم الهائل من اللاجئين فكان الأوروبيين عمليا يدفعون الأموال لأردوغان لوقف هذا التدفق”.

وتابع المحلل السياسي قائلاً إنه “في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان منذ عام 2019 هناك لا شك أمر ضاغط، فالحكومة اللبنانية تعتبر أنه لا أحد يساعد لبنان من الناحية الاقتصادية لاستيعاب اللاجئين ولأن حجم اللاجئين بالنسبة لعدد الشعب اللبناني ومساحة لبنان هو حجم كبير جداً ، لذا يرى لبنانيون أنه لا بد من رفع الصوت والدفع باتجاه إيجاد حل لهذا الموضوع”.

عودة طوعية أم ترحيل؟

وخلال الأيام الماضية، استأنف لبنان ما أسماه “حملة العودة الطوعية للسوريين”. وقالة وكالة الأنباء اللبنانية إن الدفعة دخلت الأراضي السورية عبر معبري الزمراني بريف دمشق وجوسيه بريف حمص، وأضافت أن هؤلاء الأشخاص “سجلوا أسماءهم في وقت سابق لدى مراكز الأمن العام لتأمين عودتهم إلى بلدهم”.

تأتي إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم في وقت أطلقت فيه منظمات حقوق إنسان دولية، بينها “هيومن رايتس ووتش” ومنظمة “العفو الدولية” تحذيرات من هذه الخطوة. وقالت آمنيستي إن “سوريا لا تزال غير آمنة، وسبق أن وثّقنا ما واجهه اللاجئون السوريون من تعذيب وعنف جنسي واختفاء قسري واعتقال تعسفي بعودتهم”.

وعبرت منظمات حقوقية في بيان مشترك عن خشيتها من أن تؤدي مساعدة الاتحاد الأوروبي إلى العودة القسرية للاجئين خاصة وأن سوريا لا تزال دولة غير آمنة، “ما يجعل لبنان والاتحاد الأوروبي متواطئين في انتهاكات مبدأ القانون الدولي العرفي بشأن عدم الإعادة القسرية، الذي يُلزم الدول بعدم إعادة الأشخاص قسرًا إلى دول يتعرضون فيها لخطر الاضطهاد أو غيره من الانتهاكات الحقوقية الجسيمة”.

وحذّرت الأمم المتحدة في فبراير/شباط من أن الكثير من اللاجئين السوريين العائدين إلى بلدهم يواجهون “انتهاكات جسيمة” لحقوقهم ويتعرضون خصوصا “للتعذيب” و”العنف الجنسي”.

على جانب آخر، تقول قبرص إنها تشهد تدفقاً متزايداً للمهاجرين السوريين من لبنان بشكل غير نظامي، على وقع التصعيد بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي، والذي أضعف جهود لبنان في مراقبة مياهه الإقليمية ومنع مغادرة قوارب المهاجرين.

ويقول نضال سعيد السبع المحلل السياسي اللبناني: :”الآن نحن في انتظار لمؤتمر بروكسل في الثامن والعشرين من هذا الشهر ويبدو إنه سيكون هناك دور للحكومتين الفرنسية والألمانية في مسألة اللاجئين السوريين”.

أضاف أنه يعتقد أن “لابد في النهاية من مقاربة حقيقية للملف السوري تبدأ أولاً من خلال العمل على تنشيط الحل السياسي وبالتالي توفير العودة الآمنة للسوريين خاصة وأن الجانب السوري أيضاً يقول إنه في حال عودة هؤلاء اللاجئين من لبنان إلى سوريا فهل سوريا قادرة على توفير البنية التحتية للاجئين بعد هذه الحرب التي دمرت البلاد هل يمكن توفير السكن والعمل لحوالي 2 مليون شخص وهذا سؤال مهم”.

تصاعد في اللهجة العدائية ضد السوريين

ومنذ فترة ليست بالقصيرة، يؤكد سوريون تصاعد لهجة عدائية داخل لبنان ضد اللاجئين السوريين، كما تتراوح الضغوط التي يتعرضون لها بين قرارات رسمية وأخرى غير رسمية، وسط شبه إجماع من قوى سياسية في لبنان على ضرورة إيجاد حل جذري لهذا العدد الهائل من اللاجئين بإعادتهم الى بلدهم.

في هذه الأثناء، يشكو الكثير من السوريين من سوء معاملة وعنصرية متصاعدة يتعرضون لها في لبنان كما يخشى هؤلاء من تصاعد هذه الحملة ضدهم مع خطاب زعيم مليشيا حزب الله. ويقول سوريون إنهم يتعرضون للإيذاء والاعتقال ومهاجمة محالهم التجارية، فيما قال آخرون إن سوريين في لبنان أكدوا أن “الموت ارحم لنا من تسليمنا للأسد”.

من جهته، يرى المحامي دكتور طارق شندب الأستاذ الجامعي المتخصص في الحقوق والحريات والقانون الدولي العام إن قرار ترحيل اللاجئين السوريين من لبنان هو قرار سياسي واتخذ بالتعاون مع النظام السوري إضافة إلى الحملة العنصرية المتصاعدة ضد اللاجئين في لبنان والتي تهدف لدفع السوريين للرحيل من البلاد وهي حملة يقودها فريق كبير من السياسيين داخل الحكومة اللبنانية وخارجها.

وأضاف أن “هناك شبه إجماع على هذا الأمر داخل الحكومة اللبنانية وهو ما يتلاقى مع رغبة الكثير من البلديات اللبنانية التي تخضع لأطراف تابعة للنظام السوري أو تعمل تحت مظلة أحزاب موالية لسوريا ومن الفريق المسيحي المؤيد لهذه الخطوات خاصة بعد سلسلة عمليات خطف واعتداء قامت بها عصابات تابعة للنظام السوري واتهم بها اللاجئين السوريين”، بحسب ما قال.

وأكد أن ترحيل اللاجئين السوريين مخالف للقانون الدولي وحتى الدستور اللبناني وأن هذا الإجراء يتعارض مع الاتفاقيات الدولية التي وقعها لبنان وأهمها اتفاقيات منع التعذيب وعدم الترحيل والعودة الطوعية وعدم تسليم اللاجئين أو عودتهم إلى الأماكن التي نزحوا منها.

المصدر مهاجر نيوز
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل