هل الحجاب “يحجب العقل”؟

هدى أبو نبوت16 يناير 2019آخر تحديث :
هدى أبو نبوت

هل “الحجاب” مسألة قابلة للنقاش؟ أم هو مقدس من المقدسات ممنوع الإقتراب منه؟

في الواقع ليس الحجاب “كقطعة قماش تغطي الرأس” هو التابو الممنوع الاقتراب منه أو النقاش حوله، بل يبدو المجتمع العربي دائماً وأبدا أمام عقبتين (الدين والمرأة)، فالاقتراب من حجاب المرأة هو في نظر العامة المتدينين مساسٌ بالشرع، وذلك في علاقة طردية بين الدين و عزل المرأة عن الكثير من مناحي الحياة لأسباب “شرعية”، ومع ازدهار التعليم في السنوات الأخيرة واقتحام المرأة المحجبة وغير المحجبة للكثير من مجالات العمل والدراسة لم يعد فصل المرأة اجتماعياً أمراً سهلاً بالنسبة لرجال الدين، مهما حاولوا إقناع العامة بضرورة عدم الإختلاط وتحريم الشرع له والأضرار التي تلحق بالمجتمعات بسبب إغواء النساء للرجال، “باللباس والمكياج والعطور”، او استغلال الرجال لضعف النساء وحاجتهن للعمل في بعض الأحيان، الحل عند رجال الدين هو إما إخفاء مفاتنها بالحجاب وبعضهم يذهب ابعد من ذلك، باتجاه النقاب، أو أن تعتزل الحياة الإجتماعية تماماً بأن تكون مربية للأطفال و”ملكة منزلها” بعيدا عن وحوش الغابة في الخارج.

هل تأثير الدين أقوى من تأثير العادات والتقاليد؟

في البيئة السورية تحديداً يبدو تأثير العادات والتقاليد أكبر بكثير من تأثير الدين في ما يخص “الحجاب”، فمن المعروف أن الغالبية العظمى من الشعب السوري مسلم “سني”، وأغلب النساء السوريات المسلمات محجبات “بالعادة”، أي ان الفتاة السورية ترتدي الحجاب لأن المجتمع اعتاد على أن هذا اللباس مرتبط بالعفة وهو مؤشر على الأخلاق ودليل على أن المرأة تصون نفسها من عيون الرجال وبذلك هي ليست سهلة المنال.

وبالمقابل ترى العامة من الناس أن الفتاة بدون حجاب تملك الجرأة على فعل ما لا تستطيع فعله المحجبة وهي بهذا تملك مساحة أكبر من الحرية والتصرف بما قد يراه المجتمع تحدياً له، وهذا التعميم خاطئ تماماً في الحالتين، فمساحة الحرية التي تستطيع أن تتصرف ضمنها المرأة في المجتمع محدودة للمحجبة أو للسافرة، والضوابط التي تفرض على المرأة واحدة بهوامش بسيطة جداً لا تتعدى طول اللباس من قصره، وقطعة القماش على الرأس من عدمها، لأن هامش حرية المرأة في إختيار نمط حياتها في المجتمع السوري ليس مرتبطاً باللباس بقدر ماهو مرتبط بمنظومة ذكورية بحتة يتم تقييم المرأة من خلالها في مختلف الطوائف وجميع الأديان في سوريا، تبدأ بالطاعة العمياء ولا تنتهي بامتلاك الجسد.

هل تتمتع المرأة السافرة بحرية أكبر في الواقع من المحجبة؟

ماهو هامش الحرية الموجود في سوريا للمرأة حتى نقوم بمقارنة عادلة؟

يمكننا التحدث عن أبسط الحقوق في التعليم والعمل، وهو أمر متاح تماماً للفئتين ولا تمنع المحجبة من الدراسة ولا من العمل إلا فيما ندر، ولكن هل تستطيع المرأة السافرة في مجتمعنا إن كانت مسلمة او من طائفة اخرى اختيار شريك حياة من طائفة أخرى او دين أخر؟

لا تستطيع الفتاة إن كانت محجبة أم لا اختيار شريك حياتها إذا كان ضد توجه المجتمع “دينيا.. طائفيا.. طبقيا….إلخ”.

هل تستطيع المرأة السافرة أن تظهر للعلن علاقة حب او ارتباط غير شرعي بأي رجل؟

لا يمكنها أن تفعل هذا إلا في عائلات محدودة جداً جداً وتكون الفرص متساوية للفئتين إذا حظيت بعائلة لا تأبه برأي المجتمع وقوانينه وليس حكراً على السافرة والمحجبة فالمجتمع سيرى الاثنتين “بدون تربية”.

هل تستطيع السافرة أن ترتدي مايحلو لها وتمشي في الشارع؟ وهذا أيضاً أحد القيود التي تمارس عليها، فهي تضطر لكبح جماح العيون الفضولية والأحكام المسبقة بارتداء ما يتوافق مع المجتمع وضوابطه.

هل يمكن للمرأة السافرة التأخر ليلاً مثلا؟ أو العيش بمفردها بعيداً عن أهلها بدون أسباب قاهرة كالدراسة الجامعية مثلا؟

لايمكن للفئتين التصرف هكذا بكل تأكيد، العائلة والمجتمع لن يسمح للمرأة أن تكون مستقلة، وسواء كانت سافرة أو محجبة، يجب أن تنتقل من منزل الآب إلى منزل الزوج وهكذا.

إذاً.. ما هي حدود الحرية التي تتمتع بها السافرة في مجتمعاتنا وتمنع منها المحجبة سوى” غطاء الرأس”؟

هل هناك علاقة طردية بين الحجاب والتخلف؟

في بدايات القرن ومع ظهور الفكر الشيوعي واليساري الذي يدعو للتحرر ورفض كل التابوهات في المجتمع العربي، ومع تبني بعض المثقفين لتيارات فكرية علمانية تطالب بفصل الدين عن الدولة، بدأت تظهر للسطح أفكار تربط الحجاب عند النساء بالتخلف والجهل، وأن النساء المحجبات لا حول لهن ولاقوة، وغير قادرات على الخروج من سلاسل العبودية للدين من خلال رمي قطعة القماش هذه بعيداً، وأن أول خطوات الحرية تبدأ من الثورة على الموروث المتخلف.

ومعظم أفراد هذا التيار تجاهلوا أو تغاضوا عن حقيقة أن هؤلاء النساء أنفسعن كنّ امهات لهم وأخوات، وكان لهن دور كبير في الحياة والمجتمع مقارنة بحاجات كل مجتمع في الظرف الزمني الراهن، أغلب النساء في المجتمعات الريفية السورية – يشكل الريف في سوريا أكثر من ٦٠% من مساحتها – يعملن مع عائلاتهم او أزواجهن في الزراعة وتأمين الحياة ولم يمنعهن الحجاب من الخروج والاختلاط بالعامة، بل على العكس، لطالما كانت العلاقات الإجتماعية في الأرياف السورية أكثر تحررا وانفتاحا من تلك الموجودة في المدن، بل أكثر من معظم عائلات النساء السافرات في المدن، ومع انتشار التعليم لاحقاً بقيت مدارس الريف مختلطة بين الفتيات والشباب إلى المرحلة الثانوية وهو ما لا نراه في المدن، والأعراس في الأرياف السورية أغلبها مختلط إن كانت البيئة مسلمة أو من طوائف أخرى.

إذاً.. الحجاب لم يغير من البيئة المحلية وعاداتها، بل ما حصل هو تأثر سوريا ببعض الأفكار الراديكالية التي اجتاحت الوطن العربي كله في أواخر الثمانينات، وبدأت تتدخل في حياة الناس بإسم الله والدين والحلال والحرام، وهنا يأتي الحديث عن دور المثقف الذي كان غائب تماما، لأن المثقف والمفكر والكاتب يرى بعيون المجتمع ويصحح ما يراه خاطئا، وليست مهمته تقييم الناس رجالاً كانوا أو نساء من وجهة نظره هو، ويطلق عليهم أوصافاً عنصرية كما حدث مؤخرا مع الباحث فراس سواح، عندما وصف الحجاب بأنه “حجاب للعقل”.

كان الأجدر بكل النخب الثقافية السورية الالتفات لمشاكل النساء السوريات بشكل عام دون تمييز، والتركيز على أهمية التعليم والتوعية واعطائهن كامل حقوقهن، بدل التركيز على خياراتهن الشخصية أو الدينية في لباسهن، فنزع الحجاب لن يقلل نسب زواج القاصرات ولن يرفع نسب التعليم ولن يعزز ثقة المرأة في نفسها ولن يخلق منها كائناً جديداً إذا كان ما في العقل قبل الحجاب هو ذاته بعد خلع هذا الحجاب!

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل