“أم على قلوب أقفالها”

وليد أبو همام4 يناير 2019آخر تحديث :
وليد أبو همام


وكأن هذا الشعب قد كتب عليه الشقاء في دنياه، وكأن الحياة وما فيها صارت عدواً لشعب لم يعد يملك من مقوماتها غير الصبر، فكيف بحال من كان يظن أن الجحيم موجود في مكان واحد، وفضّل ترك جذوره لشذّاذ الآفاق يعبثون بالماضي ليصنعوا مستقبلاً على شاكلتهم.

لم تكن الأراضي المحررة حلم كثيرين، وخاصةً بعد موجات الاقتتال التي كانت تحدث بين حين وآخر، ولكن لا خيار لمن يرفض العيش تحت سلطة طاغية الشام ولا يستطيع أن يسافر إلى بلاد الغرب لينعم بحياة هادئة، ويزيح الصخب الذي يدور في رأسه، حيث أن الواقع الذي صدم كثيرين جعل أقصى حدود أحلامهم أن يجدوا سقفاً يسترهم.

كانت الثورة في بداياتها أشبه بالطوفان الذي بدأ يزلزل عرش النظام من القواعد، وكانت تطلق سهامها في اتجاه واحد، من دون أن يعكر صفوها شيء.

غير أن ضعاف النفوس وأصحاب الأهواء لم يتركوا مجالاً لذوي الرأي السديد كي يمسكوا دفة القيادة، فحرفوا المسار وأصبح لكل سفينة مرسى، وضعف الأسطول ولم يعد من داعٍ لترتيب معارك من النظام أو ضده؛ حيث أن هؤلاء يكفيهم بعد المعارك عن مناطقهم، وذاك يكفيه أن يتابع بسخرية أعداد القتلى من طرفين كل منهما يدعي أن الحق معه، والشعب المسكين محروم من الاستمتاع بما بقي له من حياة.

قد تكون هذه الأيام أصعب من تلك التي كنا نقضيها تحت قصف النظام، فهناك جهة العدو واضحة، أما الآن فبات الاختيار بين منطقة وآخرى أشبه باختيار أهون الشّرين، فلم يكن يخطر في بال أحد أن يصدر الأذى والقتل عمن كانوا في يوم من الأيام يحموننا.

من أين جاءت هذه الفتاوى وهذه الجرأة على القتل حتى يُقتَل الثوار على أيدي إخوتهم كما يقتلون على يد النظام، وما ذنب من أغلق الباب عليه وعلى أطفاله ومن سكنوا الخيام، حتى يتساقط عليهم الرصاص وتراق دماؤهم من دون أن يرف جفن لأحد من المتقاتلين؟

نستطيع القول أن الثورة في عقول هؤلاء المتناحرين قد انتهت وهم الآن في مرحلة جني محصولها فهم ’’وحدهم أصحاب الحق في ذلك‘‘.

هؤلاء ينظرون إلى الشعب كوقود يحرقونه أو يتاجرون فيه عندما يريدون، أما العدو الأساسي فلم يعد هناك بد من مهاجمته أو التصدي له، بل يكفي فقط أن ينفذ اتفاقاً كتبه أسياده دون السؤال عن آثاره.

فأين من كانوا يدعون أنهم يغارون على الضعفاء ويحمونهم؟ وأين من كان يدعو إلى رص الصفوف؟ أم أنهم ضلوا الطريق وأضلوا كثيراً من الناس خلفهم!

أما فيهم رجل رشيد يعيدهم إلى جادة الصواب ويقوّم إعوجاجهم، فاليأس قد دخل القلوب وبدأت الأفكار تتوغل إلى عقول البعض بضرورة قيام ثورة ثانية، لكن لا بد من قيامها هذه المرة على النفوس الصدئة والأفكار العفنة التي سببت العدوى لجسم الثورة فأنهكته وحالت دون وصوله إلى هدفه.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل