ما بين جنيف وأستانة.. اتفاق ادلب يترنّح

جمعة الحمود19 نوفمبر 2018آخر تحديث :
ما بين جنيف وأستانة.. اتفاق ادلب يترنّح

لا شك أن الصراع الرئيسي في سوريا وعموم المنطقة، هو صراع بين روسيا والولايات المتحدة الأميريكية، وفي ظل غياب التفاهم الأمريكي – الروسي حول الملف السوري وبقية الملفات العالقة بين واشنطن وموسكو، تبدو كل الاتفاقات الأحادية التي تبرمها روسيا مع القوى الدولية والاقليمية من أجل صياغة “حل سياسي” للأزمة السورية، اتفاقات هشة تفتقر للتأييد الدولي والإقليمي الكامل الذي يكسبها شرعية التطبيق، حيث الانقسام الواضح بين القوى التي تسير في ركب أستانة ومقراراته (التي تسعى للحفاظ على سلطة النظام وبقائه في سدة الحكم)، وتلك التي تصر على تطبيق جنيف ومخرجاته (وتطالب بالانتقال السياسي ورحيل سلطة النظام).

الخلافات الروسية التركية بشأن التناقض في تفسير بنود اتفاق إدلب المبرم بتاريخ 17 سبتمبر/ أيلول الماضي، والتي سبق تضمينها كواحدة من مناطق “خفض التوتر” تحت إشراف تركيا، ما زالت ماثلة للعيان، يضاف إلى ذلك الخلافات الروسية الأوربية، حيث اشترطت مفوضة الشؤون الخارجية للاتحاد الأوربي “فيديريكا موغيريني” بعد اتفاق إدلب، صياغة دستور جديد لسوريا بمشاركة المجتمع الدولي، والبدء بالعملية السياسية من أجل التوصل إلى حل سياسي وفق قرارات الأمم المتحدة، للدخول في عملية إعادة الاعمار.

القمة الرباعية بين روسيا، ألمانيا، فرنسا، وتركيا التي شهدتها اسطنبول في 27 أكتوبر/ تشرين أول الماضي 2018، كانت قد دعت إلى تشكيل لجنة صياغة الدستور السوري، وتهيئة الظروف في أنحاء سوريا لعودة أمنة وطوعية للاجئين، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، ووقف دائم لإطلاق النار، والاستمرار في قتال المتشددين.

وحينها أكدت المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل” والرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” على الحل السياسي للأزمة السورية عبر انتخابات حرة يشارك بها كل السوريين في الداخل والخارج، وبإشراف أممي. وذهب الرئيس التركي إلى ذات المنحى، وشدد على قتال الإرهابيين في شمال سوريا. أما بوتين فقد أكد على محاربة الإرهاب، وأن تفي أنقرة بوعودها بما يخص إقامة منطقة منزوعة السلاح وتطبيق بنود اتفاق إدلب.

مواقف وتصريحات زعماء الدول المشاركة في قمة اسطنبول، يظهر تداخل الأدوار على المستوى الدولي والإقليمي في النزاع السوري وحجم العقبات القديمة والمستجدة، أمام صياغة الحل السياسي التوافقي للمعضلة السورية، الذي يحتاج إلى جهود شاقة وخطوات خلّاقة ومساومات شائكة، ليكتب لها النجاح.

قمة اسطنبول الرباعية كشفت حجم التباينات واختلاف المصالح في سوريا بين القوى الدولية والإقليمية، ومدى الحاجة إلى وجود شركاء لتبديد الفوارق في الحسابات. ومن البديهي أن حصيلة اجتماع اسطنبول، ستكون حاضرة على طاولة “المجموعة المصغرة” في لندن، التي تضم كلاً من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والسعودية ومصر والأردن، ومن الطبيعي أن يكون دي ميستورا حاضراً، والذي يستعد لتقديم تقريره الأخير أمام مجلس الأمن في تاريخ 19 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، عن نتائج جهوده للحل السياسي، وعدم نجاحه في إقناع دمشق بتسهيل تشكيل لجنة الدستور وكتابته بإشراف دولي.

روسيا تتهم الاتحاد الأوربي بتأخير تشكيل اللجنة الدستورية في حين يضع النظام عدة شروط لتشكيلها، أهمها أن تتم عملية تعديل الدستور تحت قيادة الدولة السورية “أي خارج نطاق الأمم المتحدة”. وموسكو ليست في وارد تحمّل عبء إعادة إعمار سوريا، وليست قادرة على ذلك، والدول الغربية غير راغبة في المشاركة بإعادة الاعمار إذا كان دورها يقتصر على تلميع الانتصار الروسي وترك الوضع تحت المظلة الروسية، من دون أن تكبح نفوذ إيران التي شاركت في منع إسقاط النظام السوري.

ما سبق يوضح أسباب المواقف والتصريحات الروسية مؤخراً بأن اتفاق إدلب لم ينجح، وما تهديد الرئيس الروسي بوتين للاتحاد الأوربي “بموجة لجوء سورية جديدة” يوم الخميس 15 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، إلا لعب بورقة الحرب في الشمال السوري “إدلب” للضغط على كل الأطراف، خاصة بعد التقارب التركي – الأميركي الذي جاء على خلفية اطلاق سراح القس الأميركي “أندرو برنسون” مؤخراً الذي يدير كنيسة في مدينة أزمير التركية، حيث كان معتقلاً لدى السلطات التركية بتهمة العلاقة مع حزب العمال الكردستاني وفتح الله غولن، والأخير تتهمه أنقرة بالوقوف وراء الانقلاب صيف 2016 على سلطة أردوغان التي طالبت الجانب الأمريكي بتسليمه لتركيا.

تركيا ترغب بإعادة ترتيب علاقاتها مع أمريكا مجدداً، وبدا ذلك واضحاً من خلال تحسّن قيمة العملة التركية، هذا التقارب بين واشنطن وأنقرة -وبالتالي هو تقارب مع أوربا- أثار استياء موسكو وجعلها تهدد الاتحاد الأوربي بموجة لجوء جديدة في سوريا، في حال لم تسهم أوربا بتسريع العملية السياسية وإعادة اعمار سوريا وفق رؤية موسكو.

ولا شك أن في ذلك تهديد لتركيا، من أجل زيادة الضغوط على أنقرة لضمان بقائها مؤيدة للرؤية الروسية في سوريا، فحدودها ستكون الوجهة الوحيدة أمام أي حركة لجوء جديدة، ويأتي ذلك في ظل تحركات روسية بشأن ملف اللاجئين السوريين، والسعي لعودتهم عبر التنسيق مع الدول المستضيفة، خاصة (تركيا، ألمانيا، لبنان، والأردن) وتهدف روسيا من إعادة اللاجئين إلى إطلاق عملية الإعمار التي تشكل هاجساً أمام موسكو، كونها تتخوف من عدم مشاركة الدول الأوربية، وبالتالي عدم تمكنها من استثمار إنجازاتها العسكرية سياسياً واقتصادياً.

هذه التجاذبات والتناقضات الدولية، سيكون لها انعكاسات خطيرة على الأرض السورية، فقوات النظام بدأت خروقاتها لوقف إطلاق النار بشكل مكثف، مما ينذر بانهيار اتفاق ادلب بشكل كامل على غرار ما حصل في درعا وبقية المناطق التي كانت مشمولة بخفض التصعيد.
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل