غربال “خاشقجي” حجب الشمس عن مأساة “الركبان”

بسام الرحال29 أكتوبر 2018آخر تحديث :
غربال “خاشقجي” حجب الشمس عن مأساة “الركبان”

حين يتلفت الانسان حوله وفي كل مكان ثمة أشياء تدعو إلى الدهشة ويقفز السؤال المعجزة في كل مرة. أين تكمن المشكلة ومن يتحمل مسؤولية ما جرى ويجري لأمة عظيمة لطالما قدمت للعالم فضائلها وعلومها وآدابها حين كان الظلام والتخلف والرذيلة يسود العالم كله من أدناه إلى أقصاه!.

أحداث الأسابيع الأخيرة كانت قاسية ومؤلمة وبينت حجم الفجوة في أخلاقنا وقيمنا وممارساتها، تزامنت قضية اختفاء الصحفي السعودي جمال الخاشقجي والطريقة السادية والقذرة التي نالت من جسده تنكيلاً وتقطيعاً عقاباً على ما أدلى به لسانه من آراء ومواقف تحتمل الخطأ كما تحتمل الصواب، حيث رأى أحدهم ممن يعتلون سدة الحكم أنه يشكل تهديداً وشيكاً ومؤثراً لذا توجب قتله والتنكيل به.

مع أن اللافت أن الجرائم الفظيعة من نوع هذه الجريمة يكون الدافع لارتكابها بهذه الوحشية، هو التأثير في الرأي العام وإحداث حالة من الخوف والهلع في نفوس الناس بعوامهم ونخبهم للخضوع القسري للحاكم وكتم أنفاسهم من خلال بث أخبار تروج بطرق بدائية عن عواقب أي أقوال أو أفعال لا تناسب الولي وخاصة حكمه.

وأكثر ما يلفت الانتباه هو مكان الجريمة، وهي السفارات والقنصليات التي من المفترض أن يكون دورها سلمياً وتهدف إلى تعزيز العلاقات بين الدول والشعوب وخدمة مواطنيها خارج الحدود، وليست أمكنة للتحقيقات والتعذيب والقتل، لكن حسبنا أن نعرف الفاعل فنتوقع منه كل ناقصة وموبقة.

تزامنت الجريمة مع عملية تأديب جماعي وإجباري مدفوع الأجر لرعاته ومنفذيه، حيث يرزح أكثر من 70 ألف إنسان تحت حصار قاتل دون غذاء أو ماء أو دواء، ويبدو أن هذه المصيبة الانسانية تتم للضغط على السكان من النازحين والمهجرين إما لتهجيرهم إلى مكان آخر أو تركيعهم وفرض شروط مذلة وقاسية للعودة إلى قمقم عبوديتهم الذي ثاروا عليه، وجاءت قضية خاشقجي لتصرف النظر عن معاناة سكان مخيم الركبان من رجال ونساء وأطفال وشيوخ وضرورة إيجاد حل لمشكلتهم، مع أنني لا أؤمن بأن الأمر كان سيختلف لو لم يحدث اغتيال الصحفي السعودي في قنصلية بلاده في إسطنبول.

وفي حدث ثالث ليس ببعيد مر على العرب مرور الكرام، يتمثل في الازدراء والسخرية منهم جميعاً شعوباً وحكومات من قبل ما يسمى بالأمم المتحدة التي عينت لهم سفيراً فذاً وعبقري للنوايا الحسنة المسمى بشعبان عبد الرحيم، ذلك الرجل المخطط والمزركش والذي يعبر عن حالة من حالات التيه والضياع الفكري والأخلاقي عند العرب، والذي تمت عملية تلميعه والدعاية له تعبيراً عن واقعنا الهزيل والبائس، فالرجل المزركش يحب عمرو موسى ويكره إسرائيل وكانت هذه الدعابة طريقاً إلى صعوده على رفات عقلنا الجمعي والأخلاقي.

وفي معرض الحديث عن المسؤول عما آلت إليه أمورنا وذلنا وانحدار قيمنا وأخلاقنا، ليس من الصحيح والصائب تحميل الحكام وحدهم والمجموعة الدولية التي أرادتهم ودعمتهم، ولا كامل الجوقة المتحالفة لبقائهم وديمومتهم، فالمسؤول هو الناس والمجتمع المنهك والمشتت والضائع.

فحين يقرر الشعب أن يتحد على فكرة جمعية فاضلة يناضل من أجلها ويضع الشرعات المناسبة والناظمة للعلاقة بين الفرد والدولة على أسس مؤسساتية، ويحدد بالنصوص القانونية والدستورية معنى الدولة ومعنى الحاكم ومعنى المواطن والعلاقة بينهم بإرادته وحده ودون تدخل من صديق أو عدو، حينها فقط، لن يجد الأفاقون والسماسرة من راهني أرضهم وشعبهم سبيلاً إلى أي منصب أو مأرب.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل