لا مكان للشعوب في الشرق الأوسط

ياسر الأطرش23 أكتوبر 2018آخر تحديث :
لا مكان للشعوب في الشرق الأوسط

يوماً بعد يوم، وحدثاً بعد حدث، وصفقةً بعد صفقة، يتضح بما لا يترك مجالاً لشكٍ أو ريبة بأن هذا الشرق ليس مكاناً يمكن أن يتعايش فيه الخصمان: الشعب والنظام الحاكم..

ففي النظام الرسمي الشرق أوسطي عامة، والعربي على وجه الخصوص، يدير الحكام بالتعاون مع مشغّليهم من العالم (الحر) حرباً على الشعوب المتململة الناهضة من خيبتها إلى محاولة حياة كريمة تتناسب وأبسطَ حقوق الإنسان، وبعد معارك راح فيها دمٌ كثير، تبدو الأنظمة أكثر إصراراً من أي وقت مضى على اجتثاث الشعوب، أعني الفئة التي تنشد حياة لائقة ولو بحدودها الأولية البسيطة، لتعيد السلطات طرح المعادلة القديمة التي نشأت عليها: سيد وعبيد، حاكم ومحكوم، وليّ أمرٍ ورعية، في حوار دموي سوف يعيد تشكيل المنطقة بشكل ما، شكلٍ لن تتضح معالمه قبل حروب كثيرة قادمة صار لا مفر منها حتى لدعاة الاستقرار والجانحين للسلامة.

حتى الآن، الأمور لا تبشر بخير، فالدماء المسفوحة ظلماً يبدو أنها ستتفرق بين المصالح، فالعالم لن يفرط باستقرار نظام بلد يقعد على بئر الطاقة من أجل دم صحفي، ويكفي -والحالة هذه- تصدير سيناريو يرضي جميع الأطراف، عدا الحقيقة، كما اكتفى العالم نفسه بإدانات واجترار أدبيات جوفاء في مواجهة جرائم العصر التي تعرض لها الشعب السوري، وما زال.. حتى بات هذا العالم الذي يزعم الانتصار لدم خاشقجي الفرد، كفيفاً أصمَّ لا يرى ولا يسمع استغاثات 60 ألف ضحية في مستنقع “الركبان” الذي غاص بوحله الضمير العالمي، بل زاد الجيران بفتح معابر للنظام ينفذ من خلالها إلى المحيط رويداً رويداً، لينعش حضوره السياسي من بوابة الاقتصاد والمصالح، تزامناً مع خطة سياسية يتورط بمقتضاها الشعب في ذبح نفسه، عبر إقرار “دستور” يمكّن القاتل ويشرعنه ويجعل الخارجين عليه “مارقين” بأثر رجعي، ولربما نقرأ في المناهج القادمة عن “إرهابيين” خاض “نظام شرعي” ضدهم حرباً ضروساً وقدّم تضحيات جسيمة لتخليص البلاد والعالم منهم!!.

ولعلَّ قضية الهجرة توضح وتعرّي معالم المرحلة التي يمر بها شرقنا المعجون بالآلام، فلم يسبق أن ابتلعت البحار من البشر كما ابتلعت في السنين السبع المنصرمة، ويخطئ من يظن أو يزعم أن جلَّ هؤلاء من السوريين، بل من كل أرجاء العالم العربي العامر بالخيبة والظلمات، من كل البلاد التي قرر حكامها خرق الدستور وتزوير العقد الاجتماعي لتثبيت أركان حكمهم والتفضل على الشعب بالبقاء في خدمته!.. ومن كل البلاد التي تأكلها الصراعات الطائفية والعرقية والمذهبية، وتلك التي لم يعد فيها رغيف خبز شريف لطالب عيش كريم.. ولو فُتحت الحدود أو شُق البحر لما وجدتَ في هذه البلدان إلا آثاراً دارسة لشعوب قصّر الاستبداد قامتها وعمرها.

هذا الصراع الذي حاول الطغاة تطويقه في سوريا وبلدان الربيع العربي، ومن ثم تشويهه واتهامه، لم يمت رغم اجتماع العالم عليه، وإن كان يمر في حالة ضعف وشتات، فالمعادلة المطروحة من الطرف الآخر لن تكون مقبولة بعد اليوم، لا في بلاد الثورات ولا في غيرها، توريث الشعب من الأب لابنه كسلعة رخيصة لم يعد ممكناً، تكميم الأفواه وحكم العسكر لم يعد ممكناً، استعباد الناس تحت شعارات “المقاومة والممانعة وطاعة ولي الأمر والضرورة التاريخية..” لم يعد ممكناً، واستمرار هذه المعادلات بين الأنظمة والشعوب لم يعد ممكناً.. وبما أن منطق التاريخ يقول بأن الشعوب لا يمكن أن ترحل، فإن شكل الحكم الحالي هو الذي يجب أن يرحل في النهاية، ولكنه لن يفعل قبل أن يخوض جميع معارك البقاء.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل