لن ينقذ سوريا سوى أهلها

عبد الباسط سيدا10 أكتوبر 2018آخر تحديث :
لن ينقذ سوريا سوى أهلها

ما يستنتج من تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتكررة، لا سيما في الآونة الأخيرة، حول مطالبته السعودية بضرورة الدفع مقابل الحماية، هو أنها تؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات بين الدول، محورها المصالح العارية التي لا تعطي أي اعتبار لمبادئ حقوق الإنسان على مستوى الأفراد والشعوب، كما تتجاوز القواعد الدبلوماسية سواء المكتوبة منها أو المتعارف عليها. فأن يتعامل رئيس أقوى دولة في العالم مع حلفائه بعقلية المتعهّد، ويفرض الحماية الجمركية على الأوروبيين، ويلزمهم برفع ميزانياتهم الدفاعية، ويعلن عن رغبته الصريحة في سحب الأموال من دول الخليج، فإن كل ذلك يؤدي إلى إفساح المجال أمام الدول الأخرى المنافسة على الزعامة الدولية، مثل روسيا والصين، لتبدو في مظهر الملتزم بموجبات التحالف والاستمرار فيه.

وما يهمنا سوريًّا من تلك التصريحات، هو مستقبل التواجد الأميركي في شرقي الفرات. فهل سيخضع هذا الأمر هو الآخر لحسابات السوق؟ أم أنه يدخل ضمن الحسابات الاستراتيجية لمستقبل المنطقة، والدور الأميركي فيها على مدى السنوات وربما العقود المقبلة؟

فالقوى المحلية المتعاونة مع الأميركان تروّج لبقاء طويل الأمد، وتضخم من شأن نقاط الاستناد التي أوجدتها القوات الأميركية في المنطقة، لتبدو وكأنها قواعد ثابتة تدخل في إطار استراتيجية طويلة المدى.

أما التصريحات الأميركية المختلفة، فهي إشارات متناقضة حول الموضوع، وهذا أمر يُستنتج منه أن القرار النهائي بخصوص مستقبل هذا التواجد في المدى المنظور لم يتخذ بعد. وأن الموضوع برمته لم يتجاوز بعد دائرة الاستخدام التكتيكي، وذلك تمهيداً لمقايضات لا تعطي أي اعتبار لتطلعات السوريين، ومستقبل أجيالهم المقبلة.

وما يُستشف من التركيز الروسي على موضوع الدستور والانتخابات، هو وجود سعي لدى الجانب الروسي، من أجل إيهام الرأي العام الدولي بأنه قد تم التوصل إلى حلٍ سياسي بموافقة السوريين أنفسهم، “هؤلاء الذين قرّروا الجلوس معاً في لجنة دستورية تمثل الجميع”، لجنة تلغي مفهوميْ المعارضة والموالاة، مهمتها صياغة دستور “متوازن”، يكون أرضية لانتخابات قادمة، ليتم الإعلان بعد ذلك عن إغلاق الملف السوري من جانب الدول.

هذا في حين أن الجميع يعلم، وبناء على تجارب كثيرة، أقربها مكانياً وزمانياً تجربة العراق، أن محنة السوريين لن تجد طريقها إلى الحل عبر دستور لن يلتزم به النظام طالما يمتلك منظومته الأمنية المتكاملة، وهي المنظومة المدعومة روسيًّا وإيرانيّا.

أما الوضع في العراق فقد كان مغايراً، حيث انهارت الدولة بأجهزتها الأمنية مع سقوط نظام صدام حسين. ومع ذلك لم يتمكن العراقيون من حل مشكلاتهم عبر دستور كتبوه معا، وصوتوا عليه. كما لم تمكنهم الانتخابات الكثيرة التي أجروها منذ ذلك الحين من الوصول إلى النظام الديمقراطي الذي كانوا يطمحون إليه، وذلك بفعل دخول النظام الإيراني على الخط، وتغلغل أجهزته الأمنية في مفاصل الدولة والمجتمع العراقيين.

أما سورياً، فالمنظومة الأمنية القمعية ما زالت موجودة قوية، وهي تتلقى الدعم الاستخباراتي والعسكري بمختلف الأشكال من روسيا وإيران. هذا في حين أن المعارضة منقسمة على ذاتها، وتفتقر إلى القيادة والمرجعية، بل غدت مجرد أوراق تستخدم إقليميا ودولياً لتمرير حل كاذب، ربما شكّل تهدئة وقتية موضعية ولكن المشكلة بكل جوانبها ستظل قائمة.

وما شهدناه في الأيام الأخيرة من اتهامات متبادلة بين المعارضات، ومظاهرات التشكيك في صلاحية الهيئة العليا للمفاوضات، ومشروعية تمثيلها لإرادة السوريين، يؤكد أن المسافة بيننا وبين الحل المأمول من جانب السوريين المناوئين لحكم بشار الأسد ما زالت شاسعة، وأن ما يجري لا يتجاوز حدود سعي الدول من أجل إعطاء الثقل لأولوياتها، والتوافق في ما بينها على تسوية الأمور سواء في سوريا أم في أماكن أخرى.

فالورقة السورية باتت مجرد أداة بيد كل دولة من الدول المتواجدة بقواتها العسكرية على الأرض السورية ضمن مناطق نفوذها الحالية، تستخدمها لحسابات داخلية، أو لأخرى إقليمية ودولية.

هذا في حين أن السوريين على الضفتين وصلوا إلى قناعة تامة بأن مفاتيح تحديد مصيرهم قد أصبحت جميعها بيد الآخرين، ولم يبق لهم غير الوعود الضبابية التي غالباً ما يتم تفسيرها أو تأويلها بعقلية الرغبات والتمنيات، إن لم نقل الشعارات الشعبوية التي لا تقنع أصحابها قبل السوريين.

ربما تمكنت الدول، في نهاية المطاف، من التوافق على صيغة ما في سوريا، صيغة تعطي انطباعاً زائفاً بأن الموضوع قد حل. ولكن السوريين يدركون في قرارة أنفسهم بأن الحل المطلوب ما زال بعيداً عن المقاربة، ولن يكون في مجال التعامل من دون السوريين أنفسهم، وهذا لن يكون من خلال المعارضين المتواجدين في الخارج. فهؤلاء قد أثبتوا في أكثر من مناسبة عدم قدرتهم على القيام بالمهام المطلوبة منهم، وذلك بفعل عوامل كثيرة لسنا بصدد تناولها الآن.

هذا في حين أن النشطاء من السوريين المعارضين للنظام الذين ظلوا في الداخل قد اكتسبوا خبرة هائلة عبر السنوات الماضية، وتمكنوا من معرفة الواقع السوري بتشعباته وتعقيداته وحساسياته. وفي مقدورهم جمع كلمة السوريين على مشروع وطني سوري يكون بالجميع وللجميع، مشروع يقطع مع الاستبداد والإرهاب، ويؤسس لدولة تطمئن سائر مكوناتها على قاعدة احترام الحقوق والخصوصيات، وإفساح المجال أمام أصحاب الكفاءات والقدرات من دون أي تمييز، ليتمكنوا من النهوض بمجتمعهم، والعمل من أجل مستقبل أفضل للأجيال المقبلة.

ونحن إذ نركز على دور المعارضة الداخلية، لا نقصد بها تلك المعارضات المدجّنة، المصنّعة، سواء من جانب النظام أم من جانب الروس والإيرانيين، وإنما المعارضة التي تتجسّد في الطاقات الهائلة لدى الشباب السوري، ممن تراكم لديهم الكثير من الخبرات والمعارف، وتوصلوا إلى قناعة تامة بأنه لا حل من دون توافق سوري – سوري، أساسه احترام الآخر المختلف، والعمل على إيجاد المرتكزات والقواعد التي تساهم في تحسين شروط العيش المشترك. وهذا لن يتحقق من دون وجود نواة صلبة، قادرة على التعامل مع مجتمعها بكل مكوناته بعقل وقلب مفتوحين، ومن دون أية عقد انعزالية أو نوازع انتقامية أو دونية.

أما التعامل مع معارضة الخارج إذا صح التعبير، فسيكون بشروط معارضة الداخل. والأمر الجدير بالذكر في هذا المجال هو ضرورة الاستعداد منذ الآن لحقيقة أن المطلوب سيأخذ وقتا وجهدا كبيرين، ويستوجب تضحيات جسام. وكل هذا سيتم خارج نطاق العقلية السحرية التي تحاول إيهام نفسها أولا قبل شعبها، بشعارات شعبوية، أثبتت باستمرار عدم جدواها بل ألحقت بشعبنا وبلدنا أضرارا جمة.

المصدر العرب اللندنية
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل