إنقاذ إدلب ليس بالشعارات

زكي الدروبي7 سبتمبر 2018آخر تحديث :
إنقاذ إدلب ليس بالشعارات

برزت الشعاراتية في الثورة السورية كجزء من موروث ساد بيننا خلال فترات الاستبداد التي عشنا فيها طويلاً، فأصبحنا نرفع شعارات كبيرة ونعيش في الأحلام والأوهام لنرضي ذواتنا المغرورة دون الانتباه إلى مخاطر رفع شعارات غير قابلة للتحقيق في الظروف التي أطلقت فيها تلك الشعارات.
لا أحد يجادل في حالة الضعف والاهتراء التي تشوب دولنا، فقد ترسخ في موروثنا الذي يعتمد على الفخر المستمد من الفوز بالغزو والحروب، وليس من الحضارة الكبيرة التي أسسها أجدادنا والتقدم العلمي والحضاري الذي كانوا يتمتعون به، لهذا يمكن أن نقول أن تكبير الشعار في ظروف لا تسمح بالوصول إليه هو تعبير عن ردة فعل للضعف الذي يعترينا والذي جعلنا ملطشة للجميع، خصوصاً في سوريا وثورتها، والتي أصبحت بفضل نظام الأسد ومن نُصّب على أكتاف الثورة السورية ممثلاً لها ساحة تصفيات حسابات إقليمية ودولية.
القضية لا تتعلق بعدالة الشعارات المرفوعة، بل في توقيت رفعها وإمكانية تحقيقها، فمعظم الناس فقدوا الأمل في الائتلاف وقبله المجلس الوطني وبعده هيئة المفاوضات، لكن هذه المؤسسات لم تكن صنيعة الثورة والثوار، بل صنيعة دول، والدول التي عينت أعضاءها هي من تعزلهم، لهذا فالعنتريات التي خرجت تطالب بإسقاط مؤسسة هيئة المفاوضات أو عدد من أعضاءها لا يمكن أن تصل إلى هدفها لكون المؤسسة والأعضاء الموجودين فيها من صناعة دول وليس من صناعة الثورة مع كامل التقدير للكثير من الأعضاء المحترمين الموجودين فيها، والتي تجمعني مع بعضهم صداقات، فأنا هنا لا اتحدث عن أخلاقية أو عدم أخلاقية العضو أو المؤسسة، إنما عدم إمكانية فصل أو ضم عضو أو أكثر من خلال حملة شعبية لأن هذا العضو وجد بدعم دولة ما، وهي الوحيدة التي يمكنها أن تعدل على التشكيلة القائمة، وعدم الوصول إلى تحقيق الشعار الذي تم رفعه كهدف لحملة ما يؤدي مع تكرار هذا الفشل إلى ابتعاد الناس عن الثورة ويأسها من التغيير.

تتكرر الشعاراتية اليوم في حالة إدلب، فالمشهد العام يوضح أن هناك جزءاً يرفع شعارات المقاومة والصمود والتصدي ويستعرض القوة العسكرية الموجودة، في تكرار لمشاهد المسلسلات الشامية واستعراضات الزعيم وقبضاي الحارة، ناسياً أن العمل العسكري الذي سيقوم به النظام وأسياده من الروس والإيرانيين لم يستهدف يوماً من الأيام التشكيلات العسكرية، إنما صب حمم حقده ونيرانه على المدنيين والأطفال لزعزعة نفسية المقاتل والناس ودفعهم للاستسلام، وقد حدث هذا مراراً في طول وعرض سوريا من درعا إلى الغوطة إلى حمص …الخ، لهذا فاستعراض القوة والادعاء أن هناك عشرات الآلاف من المقاتلين الموجودين لن يفيد في وقف العدوان، بل ما يفيده أكثر هو الانتقال إلى الفعل الملموس والحقيقي، فبدلاً من تكدس هذه الآلاف من المقاتلين في إدلب فلينتقلوا إلى عمق خطوط العدو في كل مساحات سوريا، في درعا ودمشق والقلمون وحمص والبادية السورية وفي الساحل السوري وليضربوا القوة العسكرية للنظام وأسياده، تخيلوا معي لو جرت كل يوم عملية فدائية، واستطعنا فيها قتل ثلاثة أو أربع عساكر روس، هل يمكن أن يتحمل المحتل الروسي هذه التكلفة مع مرور الزمن؟ وهل تكرار وصول التوابيت إلى روسيا سيكون مفيداً لنظام بوتين أم سيكون وبالاً عليه؟.
إن المبادأة بالعمل العسكري من داخل إدلب ستكون ذريعة للروس كي يقوموا بالهجوم الدموي الذي يرغبون به، لكن المقاومة المدنية عبر المظاهرات الضخمة التي يجب أن تخرج في عموم المناطق المحررة في الداخل توضح للرأي العام الدولي أن هناك شعب ومدنيون غير راغبين بالعدوان الروسي، ورفع علم الثورة وشعارات سياسية متزنة راقية أخلاقية شيء مهم جدا، وتوحيد جهود القوى التي تعمل على هذا النشاط ورفض العدوان أمر أكثر من مهم.
إن اختيار العبارات والشعارات المناسبة التي تركز على رفض العدوان الروسي يفيد أكثر من الهجوم على ديمستورا، فهو بالنهاية موظف أممي يعكس رأي ووجهة نظر مشغليه، فهل يعتقد من فشل في إسقاط عضو هيئة تفاوض أنه سيستطيع إسقاط أو تغيير موفد أممي ونحن بهذا الضعف والتفكك؟!
هناك أيضاً من يدعوا للاستسلام ويرفع شعارات الواقعية وأن المصير محتوم باتفاق الأتراك والروس وهذا غير صحيح، فالسبب الرئيسي لتأجيل الهجوم العسكري المجرم على إدلب هو الرفض التركي، وتركيا دولة كبيرة ومهمة للجانب الروسي ولا يمكن أن يقوم بمثل هذا الفعل الضخم الذي يؤثر على الأمن القومي التركي.
لهذا أعتقد أن المهمة الحاسمة اليوم هي في إيقاف الحرب على إدلب وحماية المدنيين الموجودين فيها، وهذا يتطلب كما تحدثت سابقاً إلى سحب الذرائع من يد المحتل الروسي بحل جبهة النصرة بمسماها الجديد هيئة تحرير الشام والضغط على قادتها عبر سحب الأهالي لأبنائهم منها لأن المستهدف في النهاية هم العناصر العاديين والمدنيين والأطفال بينما ينعم القادة بالحماية والخيرات وهذا واقع شاهدناه سابقاً في درعا وريف دمشق وحمص وغيرها، وهناك ضرورة لتفعيل المقاومة في كامل ساحات الوطن السوري ويتطلب أيضاً حركة نشطة وواسعة لتأمين أكبر حشد يشارك في المظاهرات في إدلب وجميع المناطق المحررة وأكبر حشد من التضامن من قبل قوى وأحزاب ونقابات في الخارج مع المدنيين في إدلب.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل