متى سنقول “لا” لقاتل البشر تحت التعذيب؟

زكي الدروبي24 أغسطس 2018آخر تحديث :
متى سنقول “لا” لقاتل البشر تحت التعذيب؟

يواصل نظام عائلة الأسد تسليم أسماء ضحاياه الذين عذبهم حتى الموت في سجونه ومعتقلاته إلى دوائر السجل المدني، ليتم إبلاغ ذويهم بالوفاة وتسجيل وفاتهم على أنها وفاة طبيعية في محاولة للتهرب من مسؤوليته عن قتل آلاف من السوريين تحت التعذيب أو بإعدامات بموجب محاكمات صورية بمحاكم استثنائية تنصب قبيل توجه المعتقل إلى حبل المشنقة.

لقد أكدت منظمة العفو الدولية في تقرير صادر عنها بتاريخ 7/2/2017 أن ما يقارب من 13 ألف شخص تم إعدامهم بين 2011 و2015 في سجن صيدنايا، واصفة هذا السجن بأنه “المكان الذي تذبح فيه الدولة السورية شعبها بهدوء”.

كما وثقت المنظمة قبلها بعدة أشهر مقتل 17723 معتقلًا، أثناء احتجازهم في سجون النظام السوري، ما بين آذار 2011 وكانون الأول 2015، أي بمعدل 300 معتقل كل شهر.

وسرب “قيصر” – وهو مصور فوتوغرافي لدى الشرطة العسكرية التابعة للنظام – مع نهاية عام 2013 ما يقارب من خمسين ألف صورة لما يقارب من 11 ألف معتقل تم تعذيبهم حتى الموت خلال ما يقارب 30 شهراً من عمر الثورة السورية.

ويظهر نظام عائلة الأسد – مع اقتراب عام 2018 من نهايته – قدرا كبيراً من الوقاحة بتوزيعه أسماء ضحاياه على السجلات المدنية كي يتم تسجيل وفاتهم وإجبار ذوي ضحاياه لنسب أسباب الوفاة تزويراً لظروف طبيعية بدعم مطلق من قوى الاحتلال الروسي الإيراني الداعم الرئيسي وشريك النظام في هذه الجرائم، مع صمت عالمي مريب، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن أخلاق ساسة الدول المتقدمة التي تدعي الديمقراطية وحقوق الإنسان في تدهور كبير، وأنهم يفضلون المستبد القاتل الذي يحمي مصالحهم الاقتصادية على حق الشعوب في نيل حريتها، وحقها في تحديد شكل نظامها السياسي.

إن هذا لم يكن سيحدث لولا تفكك القوى المناوئة للإمبريالية وتراجع أدوار المنظمات الحقوقية والنقابات، ومحاولتهم إراحة ضميرهم ونفي الصفة الثورية عن انتفاضة شعب يسعى لتغيير نظامه الحاكم من الاستبداد إلى الديمقراطية، وإلصاق صفة الحرب الأهلية والمنظمات الإرهابية المتطرفة بها، وقد برعت داعش والنصرة وبقية الفصائل المتأسلمة في خلق التبريرات التي تساعد هؤلاء على تخدير الضمير وتقاعسه بل تقاعده عن اتخاذ موقف أخلاقي مما يحدث.

إن ما حدث في سجون الأسد يشكل خطراً حقيقياً على السلم والأمن العالميين، حيث يعطي غض النظر وعدم الإتيان بأي فعل تجاه هذه الجرائم الضخمة في أرقام الضحايا وفي مستوى الوقاحة والاستهتار تجاه الرأي العام الدولي، ضوءاً أخضر للكثير من الأنظمة الديكتاتورية لتكرار ما فعله نظام الأسد من جرائم، معتقدين أنهم سينجون من العقاب مثلما يوحي نظام الأسد وداعموه المعلنين والمتخفين تحت ستار أصدقاء سوريا، وقد لا يطول الزمن قبل أن نرى انتقال هذه الأفعال لحكومات العالم المتقدم تجاه شعوبها، فصمتهم عن هذه الجرائم سيكون مبرراً لأي نظام أن يكرر فعلة نظام الأسد في أي زمان ومكان، والتبريرات والأكاذيب دائما جاهزة.

إن هذه الجرائم وهذه الوقاحة في إعلان أسماء الضحايا تعطي مؤشراً حول شكل النظام السياسي الذي سيحكم سوريا إن نجح تواطئ العالم الحر الساعي إلى وأد ثورة الشعب السوري المطالبة بإسقاط نظام الاستبداد والانتقال لنظام ديمقراطي تعددي، حيث تؤسس هذه الأعمال لمنظومة حكم أكثر إجراماً وشراسة مما كانت عليه قبل انطلاقة الثورة السورية، وبرعاية دولة كبيرة بحجم روسيا وبغض نظر وتواطئ عالمي، ويمكن أن نلمس هذا من خلال عمليات الاعتقال المستمرة والتي تستهدف المناطق التي قامت باتفاقيات استسلام برعاية روسية، حيث قضت تلك الاتفاقات على عدم دخول قوات النظام وانتشار الشرطة العسكرية الروسية وقوات الشرطة المدنية التابعة للنظام، وتسوية أوضاع جميع من بقي في تلك المناطق بما يخص نشاطهم المعارض للنظام وعدم ملاحقتهم والانتقام منهم بسببه، لكن الذي حصل ويحصل هو أن النظام لم يحترم أياً من الاتفاقيات التي نفذها برعاية روسية، وقام باعتقال عدد من المدنيين الذين كانوا ينشطون في الأنشطة الثورية المدنية وقام بمسامحة من شارك بالأعمال العسكرية ضده، لا بل ضمهم لقواته الرسمية وكرمهم وسلمهم مناصب قيادية أيضاً، مما يشير كما أوضحت في عدة مقالات سابقة إلى أن المستهدف الحقيقي هم المدنيون ذوي التوجه السلمي الديمقراطي، وليس القوى العسكرية التي كانت قد خلقت من قبل النظام وحلفاءه لتشويه صورة الثورة الحقيقية.

إننا معنيون أكثير من أي وقت مضى كشعوب عالم حر، يؤمنون بقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان بالتعاون مع بعضنا البعض لوضع حد لصمت قادة العالم عن هذا النظام المجرم والضغط باتجاه إنهاء الحماية المفروضة عليه والعودة عن الموقف المناوئ للتغيير الديمقراطي في منطقتنا، لأن هذا يشكل خطراً على الجميع، ولن يسلم أي أحد منه، فمن صمت اليوم عن مثل هذه الجرائم في سوريا، فسيصمت غداً إن حدثت في أي دولة من الدول التي تدعي الديمقراطية وحقوق الإنسان.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل