القتل بالتعذيب.. وصفة الأسد السرية

زكي الدروبي10 أغسطس 2018آخر تحديث :
القتل بالتعذيب.. وصفة الأسد السرية

مع عودة نظام الأسد لاستلام المناطق التي كانت تسيطر عليها الفصائل المتأسلمة المختلفة، والتي كان كثير منها من اتباع النظام المخلصين، بدأ ينظف ملفاته المختلفة، ويعيد ترتيب أسس نظامه بعد أن كادت الثورة السورية أن تطيح به وبمصالح القوى المختلفة التي كان يعمل حارساً لمصالحها، عبر تصفية ضباطه المتورطين بجرائم الحرب المختلفة والمسؤولين عن أنظمة الصواريخ وأسلحة الدمار الشامل، وعبر الانتهاء من ملف المعتقلين وتسليم أسماء المعتقلين الذين قتلهم تحت التعذيب إلى دوائر السجل المدني (النفوس) ليصار إلى تسجيل وفاتهم على أنها وفاة طبيعية.

كانت الأسماء تخرج في السابق بشكل محدود وعبر تسريبات مختلفة، ومع إعادة سيطرة النظم على معظم المناطق التي كانت خارجة عن سلطته المباشرة، وبالتزامن مع تهديداته المستمرة لبقية المناطق، بدأ الإعلان بشكل علني وبأعداد كبيرة لمعتقلين قضوا تحت التعذيب في سجونه ومعتقلاته، في محاولة لتنفيذ لعبة خبيثة توحي بأن الثورة انتهت مما سيؤثر على معنويات الناس ويدفعهم في ظروف التراجع على كل الأصعدة للقبول به مرة أخرى على مضض، مستوحياً تجربة والده في ثمانينات القرن المنصرم.

الاعتقال والموت في المعتقلات تحت التعذيب ليس نهجاً جديداً على نظام عائلة الأسد، فهو إرث الأسد الأب – الذي اعتقل أعداداً كبيرة جداً من السوريين، وقتلهم في معتقلاته دون محاكمة، وأخفى جثثهم عن أهلهم – لوريثه الذي أذهل الإنسانية في أساليب إجرامه بحق الشعب السوري الذي طالب بالحرية.

المناورات المتعددة التي يتبعها نظام الأسد في سبيل إعادة تأهيل نفسه على أنه الوحيد القادر على قيادة هذه الفوضى التي خلقها في سوريا تتبع عدة أساليب، فهو من جهة يفاوض شيوخ عقل الطائفة الدرزية في السويداء على سيطرة مباشرة له على المدينة مقابل خدمة شباب المدينة في جيشه في المدينة نفسها، ومن جهة أخرى يفاوض “بي واي دي” على حكم محلي واسع الصلاحيات مقابل عودتهم لنظامه، ومن جهة ثالثة يعلن عن أسماء من قضوا تحت التعذيب ويغلق ملف المعتقلين إلى غير رجعة دون أن يترتب على هذا الإعلان أي أثر أو محاسبة.

الأرقام الكبيرة التي أعلنت توضح الحجم الكبير لإجرام نظام الأسد، والذي تم على مرأى ومسمع جميع دول العالم، والتي غضت الطرف عن ممارساته وإجرامه تطبيقاً للمعادلة التي اتفق عليها أثناء تولي أسرته الحكم، حماية الكيان الصهيوني كمخفر متقدم لقوى النهب العالمي والسماح لهذه القوى بنهب خيرات بلاد العالم الثالث وبيع منتجاتها في تلك الأسواق مقابل غض النظر عن الممارسات الإجرامية من قبل الأنظمة الاستبدادية المتحكمة في تلك البلدان، مع تصريحات خجولة تطلق هنا وهناك، واستعراضات عنترية لها علاقة بمصالح تلك الدول أكثر من علاقتها بالشأن الحقوقي الذي تثيره.

هل من المعقول أن تفتح الولايات المتحدة الأمريكية صراعاً مع حليف بارز لها في المنطقة كتركيا من أجل قس أمريكي معتقل في مقابل غض النظر عن مئات الآلاف من المتعقلين في سجون بلدان مجاورة كسوريا والعراق ومصر وغيرها؟!، هل يمكن فهم الخلاف الكندي السعودي حول اعتقال أفراد مقابل غض النظر عن التعذيب حتى الموت والإعدامات التي تجري في سجون نظام الأسد؟!.

تفضح الأسماء التي عرفت من بين من قضوا تحت التعذيب أن هناك فئة محددة مستهدفة، فئة معتقلي الرأي، المتظاهرون السلميون الذين فضحوا هذا النظام وأجبروه على أن يعترف أن مطالبهم محقة وأحرجوا قوى النهب العالمية التي وقفت صامتة إلا من تصريحات لم تنتقل لأفعال حول انتهاء شرعيته لأنه قتل المتظاهرين السلميين وحول خطوط حمر.

هذه الفئة التي استهدفها نظام الأسد في مقابل عفوه عن المجرمين وعن إرهابيي القاعدة وتسهيل حصولهم على الأموال والسلاح كانت الوصفة السحرية لتشويه صورة الثورة السورية التي تطالب بالحرية من نظام الاستبداد والانتقال للديمقراطية لدى الشعوب ولإعطاء ذرائع مختلفة للتدخلات الخارجية في سوريا، وقتل وتدمير بنيتها التحتية لإعادة تنشيط عجلة الرأسمالية المصابة بأزمات متتالية، ولتحقيق صفقات وأرباح ضخمة من تجارة السلاح في منطقتنا العربية.

إن تقرير منظمة العفو الدولية التي تحدثت عن مسلخ صيدنايا وعن إعدام ما يقارب من 13 ألف شخص شنقاً دون محاكمة، بالإضافة لاستشهاد آخرون بسبب التعذيب والحرمان من الماء والطعام والأدوية والرعاية الطبية. وما سربه قيصر من صور توثق استشهاد ما يقارب من 11 ألف شخص نتيجة التعذيب، يظهر أن هذه الممارسات فعل ممنهج وسياسة مقررة وموافق عليها من قبل رأس النظام نفسه، وتدلل على حجم حقده وخوفه من هذه الفئة الواعية المستنيرة من الشعب السوري.

إن إعلان الأسماء حالياً وبهذه الطريقة يأتي في سياق محاولات النظام المتكررة الإيحاء بانتهاء الثورة، وفي سياق غض النظر دولياً عن نظام الأسد، والأحاديث المتكررة التي تتحدث عن إمكانية القبول به، وهذا ما قاله قادة الكيان الصهيوني، الذين أكدوا أن عائلة الأسد أفضل من حمى حدود كيانهم خلال أكثر من 40 عاماً، حيث أكدت جميع القرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة والواجبة التنفيذ وخصوصاً البند 12 من القرار 2254 على ضرورة إطلاق سراح المعتقلين، وأنها قضية ملزمة وفوق تفاوضية، إلا أن هذه القرارات بقيت حبراً على ورق، ولم يجر الضغط أو إيجاد أية آلية ردع لنظام الأسد الذي ضرب عرض الحائط بقرارات الأمم المتحدة ولم ينفذها في تشابه مع حالة وحيدة في العالم وهي حالة الكيان الصهيوني الذي لم يلتزم بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة، وفي المقابل لم تحترم الدول العالمية هذه القرارات وتجبر النظام الأسدي على تنفيذها، نتيجة غياب المعايير الإنسانية والأخلاقية لدى هذه القوى العالمية الناهبة لثروات الشعوب المتحالفة مع قوى الاستبداد.

إن ما جرى ويجري يستلزم وقفة جادة من قبل كل القوى الوطنية المعارضة المؤمنة بأهداف ثورة الشعب السوري بالحرية من نظام الاستبداد الأسدي والانتقال للدولة المدنية الديمقراطية، ويتطلب منها توحيد عملها وبذل جهد كبير وإعادة تنشيط الأنشطة الثورية التي تحمل أشكالاً وصيغ متعددة، ولا تقتصر على بضع وقفات هنا أو هناك، بل تتعداها إلى صياغة موقف وطني رافض لمحاولات إغلاق ملف المعتقلين، والضغط باتجاه تسليم الجثث لذويهم مع ما يتطلب من تحقيقات في الطب الشرعي حول أسباب الوفاة والمسؤولية القانونية المترتبة على هذا الفعل، فالأعداد الضخمة المصرح عن وفاتها رسمياً توفيت في سجون ومعتقلات النظام، وهذا يرتب السعي الحثيث المستمر مع كل القوى العالمية الرسمية وغير الرسمية سياسية كانت أم حقوقية أم شعبية ومنظمات مجتمع مدني لإنهاء ملف الاعتقال وإخراج من بقي في السجون والمعتقلات، فهذه حالة إنسانية قبل أن تكون صراع سياسي.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل