تناول “معهد واشنطن” ما وصفها بـ”أزمة فساد عميقة” داخل مليشيا حزب الله اللبناني، مع التطرق إلى أبرز معالمها.
ونشر موقع المعهد الإلكتروني دراسة للباحث الأمريكي ماثيو ليفيت، قال فيها إن “أكثر ما يريد حزب الله تجنب النقاش فيه هو العلاقة بين قتاله في سوريا لدعم نظام الأسد وتداعيات تآكل الاقتصاد وازدياد الفساد، التي يعاني منها داخل لبنان”.
وتابع بأن “حالة الاستياء الاستثنائية داخل قاعدة حزب الله السياسية الشيعية التقليدية هي نتيجة لانزلاق الحزب عميقا في الحرب السورية، والعدد الكبير المتزايد لقتلى الحزب هناك. وبالنسبة لبعض مؤيدي حزب الله القدماء، كانت عقيدة (المقاومة) ترتبط تحديدا بإسرائيل، وليس بالدفاع عن الرئيس الأسد وحربه ضد المدنيين السوريين السنة في الغالب”.
وأضاف أن “الفترة التي سبقت الانتخابات النيابية انتشرت فيها لافتات على الطريق السريع في منطقة البقاع، أهم معاقل حزب الله، تعارض مرشحي الحزب، وتحمل شعارات مثل: (نحرص على المقاومة، لكن ولاءنا هو لبعلبك الهرمل)”.
وبحسب الدراسة التي نشرها معهد واشنطن، فإن “حالة من السخرية والشك أخذت بالبروز داخل صفوف حزب الله حيال الثمن الباهظ الذي يدفعه التنظيم لدعم نظام الأسد. فالعديد من مقاتلي الحزب يرون أنهم يدفعون الثمن كله، بينما يحصد الإيرانيون المنافع. ونتيجة لذلك، فإن أعدادا كبيرة من المحاربين القدامى يتركون الحزب، ويفسحون المجال لمجموعة جديدة ومختلفة من المقاتلين الأصغر سنا. وينضم المقاتلون الجدد للحزب من أجل الحصول على راتب، أكثر من قناعتهم بالقضية، وهو ما يجعل الحرب السورية قضية اقتصادية لا أيديولوجية بالنسبة لهذا الجيل الجديد من جنود حزب الله”.
وأضافت الدراسة أنه “بناء على ذلك، يعاني حزب الله أيضاً من أزمة ثقة تقوم على الإدراك بأن الجماعة أصبحت موغلة في الفساد. ويجند حزب الله مقاتليه من أفقر المناطق في ضاحية بيروت الجنوبية ومنطقة البقاع على طول الحدود اللبنانية ـ السورية، وبدرجة أقل من جنوب لبنان. لكن في الوقت الذي يجند فيه الحزب الفقراء، يستفيد أنصاره الأغنياء ماليا من الحرب”.
وذكّرت الدراسة بتقرير نشرته “وول ستريت جورنال” في نيسان/ أبريل الماضي، نقلت فيه رسالة نقد لاذع من مقاتل سابق في الحزب إلى حسن نصر الله، بسبب “فشله في التصدي للفساد داخل التنظيم”.
وتابعت الدراسة: “في السابق، لم يكن من الممكن أن يسمع أحد بهذا النوع من الانتقاد العلني للحزب، ولكن في وقتنا الحالي، نالت هذه الرسالة الدعم في وسائل التواصل الاجتماعي. وأدرك نصرالله أن لدى حزب الله مشكلة فساد خطيرة، وجعل حملته لمكافحة الفساد وللتنمية الاقتصادية محور برنامج الحزب الانتخابي”.
ونوهت الدراسة إلى استدراك نصر الله خطورة قضية الفساد، وهو ما دفعه للتركيز عليها في خطاباته الانتخابية، وتعيين عضو الحزب، النائب حسن فضل الله، رئيسا للجنة لمكافحة الفساد لمتابعة الموضوع تحت إشراف نصرالله نفسه.
وأضافت الدراسة: “لكن حتى إذا أثبت الحزب أنه قادر على القضاء على جزء كبير من الفساد السياسي الذي هو نتيجة لاقتصاد الحرب الذي ساهم الحزب في إيجاده، سواء داخل صفوفه أو في البلاد بصورة عامة، فإنه سيبقى عاجزا عن معالجة بعض من أكثر أنشطة الفساد تجذرا وإثارة للقلق، والتي يقوم بها أشخاص متنفذون في الحزب”.
وقالت الدراسة إن “معظم هذه الشخصيات المتنفذة الفاسدة متورطة بشكل أو بآخر في الشبكة الإجرامية التي توفر الدعم المالي لحزب الله، وبشكل خاص الجزء الذي يمول إرهاب الجماعة وأنشطتها العسكرية، التي أشار إليها القانون الأمريكي بـ(فرع الشؤون التجارية) في الحزب، وتم الكشف عنه في أوائل عام 2016 من خلال عملية مشتركة شملت (إدارة مكافحة المخدرات) الأمريكية، الجمارك وحماية الحدود، وزارة الخزانة، “يوروبول”، “يوروجست”، والسلطات الفرنسية والألمانية والإيطالية والبلجيكية. وقد شمل التحقيق سبعة بلدان، وأدى إلى اعتقال عدد من أعضاء حزب الله والمتعاونين معه؛ بتهمة الاتجار بالمخدرات، وغسيل الأموال، وحيازة الأسلحة لاستخدامها في سوريا”.
وإلى جانب تهريب الأسلحة والاتجار بالمخدرات وغسل الأموال، قالت الدراسة إن “بعض الشخصيات البارزة في حزب الله متورطة في مشاريع إجرامية شنيعة، من بينها الاتجار بالجنس والبشر. لنأخذ على سبيل المثال علي حسين زعيتر، المسؤول في شؤون المشتريات والتمويل الإجرامي للحزب. ففي عام 2014، صنفت وزارة الخزانة الأمريكية زعيتر شخصا إرهابيا لاستخدام شركاته من أجل الحصول على مكونات للطائرات من دون طيار (UAV) التي يُشغّلها الحزب فوق الأراضي السورية ولاستهداف إسرائيل. وفي العام التالي، أدرجت وزارة الخزانة شركات إضافية يديرها زعيتر في الصين ولبنان؛ لشرائها مكونات للطائرات من دون طيار لصالح حزب الله. وبعد بضعة أشهر، في عام 2016، كشفت السلطات اللبنانية عن شبكة دعارة كبيرة تُشغّل نساء سوريات بشكل رئيسي. وزعم حزب الله أنه لعب دورا في كشف شبكة الاتجار بالبشر والجنس، لكن تقارير صحفية ربطت شبكة الدعارة بعلي حسين زعيتر، الذي وصفته وزارة الخزانة الأمريكية بأنه وكيل مشتريات حزب الله”.
لفتت الدراسة إلى أن القيادي محمد إبراهيم بزي، المصنف على لائحة الإرهاب الأمريكية، متهم بتجارة المخدرات، والاتجار بالبشر، عن طريق التعاون مع منظمات إجرامية، وأيضا له صلة بـ”ديكتاتور غامبيا السابق يحيى جاميه”، وتاجر المخدرات اللبناني أيمن جمعة.
وبحسب الدراسة، فإن “حزب الله منفتح بشأن أزمة الفساد التي تواجه جميع الأطراف اللبنانية، بما في ذلك الحزب ذاته. لكنه يغلق صفوفه ويخفي غسيله القذر عندما يتعلق الأمر بمسؤولين كبار مثل زعيتر وبزي، اللذين يمثلان عفنا في نواة الدائرة الضيقة لقيادة الحزب”.
وأضافت أن “فساد حزب الله يمتد إلى أبعد من سوء الإدارة المالية، ويسمح لبارونات الحزب الأقوياء بكسب المال من اقتصاد الحرب في سوريا، في الوقت الذي يقوم فيه بتجنيد المشاة وقودا للحرب، من بين الفقراء”.
وخلصت الدراسة إلى أن “فساد حزب الله يستشري أعمق بكثير مما يمكن لنصر الله الاعتراف به، وهو أعقد من أي شيء آخر قد يمكن للجنة مكافحة الفساد التابعة للحزب معالجته”.
Sorry Comments are closed