“قمة العمالقة”.. ترسيخ لشريعة الغاب

جمعة الحمود21 يوليو 2018آخر تحديث :
“قمة العمالقة”.. ترسيخ لشريعة الغاب

عناوين قليلة للقمة الأمريكية الروسية التي عقدت في 16 يوليو /تموز الجاري بين الرئيسين الأمريكي ترامب والروسي بوتين في العاصمة الفنلندية “هلنسكي”، والتي لم تنتج حلاً مباشراً وواضحاً لأي من الأزمات والقضايا الدولية والإقليمية، سواء الملفات العالمية العالقة بين الطرفين أوكرانيا وجزيرة القرم، أو فيما يخص العقوبات الأمريكية على روسيا، وقضايا الدرع الصاروخي والنفط والطاقة، والعلاقة بين حلف شمال الأطلسي وروسيا، أو الملفات الإقليمية في سوريا واليمن وليبيا والعراق والتدخلات الدولية والإقليمية في الحرب الدائرة فيها.

لقد وضع حجر الأساس لترسيخ السلام وعدم التصادم بين الكبار (أمريكا وروسيا) أثناء إدارة المبارزة بين العبيد في مختلف حلبات الصراع (دول وجماعات وأفراد) مع مراعاة تفضيل أحد هؤلاء “العبيد” على الآخر بحسب ما تقتضيه المصلحة، كان ذلك واضحاً لكل ذي بصيرة.

الأمر الآخر الذي لا يقل خطورة عن سابقه، خاصة وهو يظهر من زعماء أكبر دولتين في العالم تدعيان الديمقراطية وحكم القانون والعدالة، هو تغوّل القوة على القانون والحقوق، مما يؤكد مدى السقوط الأخلاقي لكبار المجتمع الدولي من خلال عدم الالتزام بقوانين المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة ومجلس الأمن وحقوق الدول والمجتمعات والأفراد التي يصونها القانون الدولي، تلك التي لم يأتِ ذكرها على لسان أحدهم، ليبدو هؤلاء “ترامب وبوتين” كزعماء مافيا، أو بلطجية، لا مهمة لهم إلا حماية المجرمين والقتلة ومرتكبي الإبادة الجماعية بحق شعوبهم والشعوب الأخرى حول العالم، ليتأكد أيضاً، أن هنالك من يديرهم من خلف ستار.

وبالعودة للمؤتمر الصحافي بين ترامب وبوتين؛ اثنان هما من ورد ذكرهما (اسرائيل وإيران)، الكيان الصهيوني كان الرابح الأكبر، فلم يُخفِ أحدهما الالتزام بحماية أمن اسرائيل كخط أحمر لايمكن لأحد تجاوزه. أما فيما يخص إيران، أكد ترامب لنظيره بوتين أهمية وقف ايران، ووقف توسعها العنيف في الشرق الأوسط، بينما لم ينفِ الرئيس الروسي أو يناقض ما قاله نظيره الأمريكي؛ مما يعني أن اسرائيل قد ربحت، وخسارة إيران حتمية مع إلغاء الاتفاق النووي والعقوبات الأمريكية المنتظرة التي تأتي في ظل الاضطرابات الداخلية بسبب الوضع الاقتصادي وتراجع قيمة العملة الإيرانية، التي يقول الإيرانيون إنها جاءت بسبب حروب إيران الطائفية في سوريا واليمن والعراق.

أما بالنسبة لعصابة النظام السوري، لم يأتِ أحدهما سواء ترامب أو بوتين، على ذكر الأسد أو الإشارة إليه، مما يعني وضعه في “غرفة الانتظار” حتى اكتمال صيغة الحل السياسي في سوريا، والاتفاق على الدستور الجديد وآلية الانتخابات “بإشراف مباشر وفعلي من قِبل المجتمع الدولي”.

تركيا أيضاً -المتدخلة عسكرياً في سوريا- بحجة محاربة وإبعاد الانفصاليين الأكراد عن حدودها، لم يكن لها ذكر في القمة الأمريكية الروسية، والسبب تنقلها الدائم من الحضن الأمريكي إلى الروسي، وبالعكس، حسب ما تقتضيه مصلحتها في كل مرحلة.

وبعد مؤامرة “مناطق خفض التصعيد” من كل الأطراف الدولية والإقليمية والداخلية، التي عملت روسيا من خلالها على تمكين النظام من استعادة معظم مناطق المعارضة بقوتها العسكرية، لم يبق الآن سوى إدلب وريف حلب الشمالي، الموضوعة في كنف الضامن التركي الذي كان غائباً ذكره في لقاء ترامب وبوتين، وهذا يعني أن تلك المنطقة لن يختلف مصيرها عن مصير باقي المناطق، بشأن عودة “مؤسسات الدولة السورية” إليها ، وإن كان البعض يرجح اختلاف شكل وطريقة عودتها لمظلة نظام الأسد بسبب الوجود العسكري التركي على الأرض في هذه المنطقة.

الشمال السوري الآن في عين العاصفة، وهو أمام خيارين لا ثالث لهما، سينتهيان الى ذات النتيجة التي انتهى إليها التوافق الدولي في بقية المناطق؛ “الحفاظ على مؤسسات الدولة وعودتها الى كامل التراب السوري بغض النظر عن السلطة الحاكمة الآن”.

الخيار الأول: أن يقوم الجانب التركي بصفته ضامناً موجوداً على الأرض، بحل فصائل المعارضة وجمع السلاح بيد جهة واحدة تحت مسمى “الجيش الوطني” لتسهيل عملية الحل وعودة مؤسسات الدولة إلى المدن والمعابر.

أما الخيار الثاني: من خلال اللجوء إلى القوة العسكرية بدعم روسي كما حصل في بقية المناطق، وهو خيار يؤكد سعي روسيا والولايات المتحدة الأميركية لتشكيل “مجلس عسكري انتقالي” من بقايا قوات الأسد وفصائل المعارضة عبر “الدمج” قبل أفول السلطة الحاكمة بشكلها الحالي.

وهنا يتوجب الحديث عن اتفاقات جنيف وأستانة التي لم يتطرق إليها الرئيسان ترامب وبوتين، مما يعني أن كلا الاتفاقين لن يصمدا، وإنما هناك اتفاق جديد “هجين” سيولد من خلال عملية التزاوج بين مقررات مؤتمر جنيف ومؤتمر أستانة، توازياً مع ولادة المجلس العسكري الانتقالي “الهجين” أيضاً.

المسار الدولي والإقليمي بالنسبة للسوريين، بات عنوانه “التواطؤ” على الشعب السوري وثورته المحقة بطلب الحرية والكرامة، فكل من هذه الدول يضع مصالحه بالمقام الأول حتى لو أدى ذلك إلى قتل وتهجير كل السوريين الذين ثاروا على حكم الاستبداد.

المناطق المحررة صارت جزءاً من الماضي، واستراتيجية إسقاط النظام عسكرياً تم وأدها بدعم روسي ودولي وإقليمي، ومما ساعد في ذلك تراكم الأزمات الداخلية للثورة على المستوى العسكري، عندما فشلت بإنهاء المشروع الفصائلي والانتقال الى مرحلة التوحد، وبما أن الخيارات بإسقاط النظام عسكرياً ضاقت كثيراً، لا بد من تفعيل مؤسسات المجتمع المدني والحقوقي والسياسي والشعبي لجمهور الثورة على المستوى الدولي والإقليمي والداخلي، وإحياء مطالب الثورة السورية بالحرية والكرامة، والمطالبة بإقامة دولة القانون والمواطنة التي تحكمها الأسس الديمقراطية، ومحاكمة مجرمي الحرب وتقديمهم للمحاكم الدولية، وعدم السماح بإعادة تعويم النظام القاتل بعد كل جرائمه بحق السوريين، التي ستبقى وصمة عار على جبين كل الدول التي تدعي العدالة والإنسانية.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل