الثورة بين الماضي والحاضر

هدى أبو نبوت12 يوليو 2018آخر تحديث :
الثورة بين الماضي والحاضر

ما زالت الثورة مستمرة، لساتنا مكملين، وبعدنا بدنا حرية.. عبارات نلتقطها كسوريين بخجل خلال تصفحنا لصفحات الفيس بوك التي كانت وما زالت ملاذاً غير آمن للسوريين، فبداية الثورة كانت عبارة واحدة تكتب ضد النظام ودعماً للثورة كفيلة بقتل صاحبها تحت التعذيب، وخلال سبع سنوات كان منشور واحد يثير حروباً افتراضية واصطفافات مناطقية ويجيش فئة ضد أخرى، في كل مراحل الثورة من حملات الدعم الإيجابية لمدينتي حمص وحلب إلى الغائبة عن ديرالزور والرقة وصولاً إلى مشاعر الإحباط والخذلان مما حدث في درعا مؤخراً، ونعود للعبارات الخجولة التي يحاول السوريين رفع همم بعضهم البعض بعد الصدمة الأخيرة في درعا وهي ليست الخسارة الأولى، فقد سبقتها حمص وريف دمشق وحلب والغوطة وريف حمص بالتسويات أو بالتهجير، باختلافات بسيطة تعود إلى جغرافية وطبيعة كل مدينة، كانت النهاية واحدة وجلية وهي سيطرة النظام على المدن الثائرة عسكرياً من جديد بعد سبع سنوات عاش أهلها في مكان يدعى “المناطق المحررة”.

هل ما زالت الثورة مستمرة؟ وهل كانت تلك المدن والبلدات تنعم بالحرية التي دفع الشعب السوري أثماناً خيالية طلباً لها؟ وهل الشعب حقاً يريد الحرية الآن كمطلب أول وأساسي كما كان قبل 7 سنوات أم اختلفت الأولويات بعد كل النكبات التي عاشها سكان تلك المدن من قصف وتشرد ونزوح وذل بالداخل والخارج وعلى كل الأصعدة الانسانية؟

بعودة لما حصل ويحصل حالياً في محافظة درعا مهد الثورة، وبعد أن اتفق قائد فصيل شباب السنة أحمد العودة على انفراد مع المفاوض الروسي اللاعب الحقيقي على الأرض، كل الأوساط الثورية المدنية قبل العسكرية ورواد مواقع التواصل الاجتماعي قبل إعلاميي الثورة ومؤسساتها اتهمت الرجل بالخيانة العظمى وألصقت به كل التهم من ضفدع إلى خائن دم الشهداء ومن جبان إلى طامع للسلطة في سوريا الأسد الجديدة، وهذا توصيف مبرر ومفهوم بسبب التكاليف الباهظة التي دفعها السكان خلال سنوات من فقدان أهل وأقارب بالمعتقلات أو القصف وخسارة الكثيرين لوظائفهم ومصدر رزقهم مقابل العيش بعيداً عن مناطق النظام وبطشه.

ولكن عندما هرب قادة الفصائل في القرى والمناطق الأخرى دون أي كلمة أو توضيح لعشرات الآلاف من المدنيين المنسيين على الحدود الأردنية، بدأت تتصاعد أصوات تفكر بطريقة براغماتية تحت سلطة الأمر الواقع بدل الندب على ما فات ومحاولة المحافظة على الحد الأدنى من منجزات الثورة التي تم سحقها تحت دبكات المصالحة المذلة ورفع صور بشار الأسد في مناطق مختلفة عقدت تسوية مع النظام كمدينة داعل.

سنحاول الإجابة على السؤال الأخير.. هل ما زال الشعب يضع أولوية الحرية والتغير السياسي كمطلب أساسي أم لا؟جميع المؤشرات ليس في درعا فقط بل في عموم سوريا تظهر أن السوريين رفعوا راية الاستسلام أمام وقف الحرب وأن كل ما يهمهم كيف تتوقف الحرب ويعودوا لبيوتهم حتى لو كانت مدمرة وأرزاقهم حتى لو كانت “معفشة” ولكن المهم الحياة تحت سماء تخلو من صواريخ طائرات بوتين واقتحامات جيوش النظام الطائفية، فهم لا يملكون أي خيار حتى يفضلوا أحدهم على الآخر بعد أن ترك الشعب السوري بقرار دولي تحت المحرقة والموت المجاني، لذلك يعد خيار ما تبقى من الشعب منطقياً ومحقاً، فكيف تنعم بحرية مستقبلية وأنت تحت التراب أو تعيش تحت هذا الهاجس يومياً خلال الحرب المعلنة عليك؟ راية الحياة البيضاء أهم بالمرحلة الحالية من راية الموت الحمراء ولا يلام الشعب السوري على هذا الخيار بعد 7 سنوات من حرب طاحنة بموازين غير متكافئة.

هذه النتيجة تعيدنا للسؤال الثاني؛ هل كانت تلك المدن والبلدات الخارجة عن سيطرة النظام تنعم بالحرية حتى نطلق عليها “مناطق محررة”، “مخفر الشرطة الحرة”، “مديرة النقل الحرة”… إلخ من هذه المسميات التي أثبت الواقع المعاش أنها لم تكن مختلفة عن شعار حزب البعث بالوحدة والحرية والاشتراكية التي لم ينعم بها الشعب طوال حكم الأسد الأب والابن.

المناطق المحررة لم تقدم أي مؤشر حقيقي على التغيير المنشود ولم تنصف أو تحاول إنصاف السكان الذين اختاروا الحياة تحت خطر القصف لسنوات مقابل تشبثهم بأرضهم على أمل نهاية الحرب وانتصار الثورة، ولم تعمل القوى العسكرية والمدنية على توفير أي خدمة تذكر للشعب الذي رأى من فساد المنظمات التي تعمل باسمه ولخدمته إلا وجهاً آخر للفساد المالي للنظام ووجهاً آخر للسرقة وغياب العدالة، وإضافة الى ذلك لم تكن الفصائل العسكرية التي نشأت لحماية المدنيين من بطش النظام إلا مافيا جديدة بوجه وخطاب آخر ولم تمارس زعرنتها إلا على الفقراء والمساكين وقليلي الحيلة من الأهالي، فأين التغيير المنشود وأين الحرية من تلك المناطق المحررة، بل علاوة على ذلك عند قدوم أول طائرتين روسيتين هرب القادة جميعاً وتركوا الأهالي لمصيرهم فهل يلامون -أي الأهالي- بعد كل شعارات الصمود والثبات الخلبية التي لم تحصد سوى أرواحهم؟

ونتيجة هذه السنوات الكارثية والتجربة المريرة التي عاشها السوريين الثائرين في البداية لأجل حياة أفضل والتي لا تحتاج لمحلل سياسي أو احصائية أمم متحدة تخبرنا كيف أنها لم تصبح أفضل، بل النتائج السلبية فاقت العقل والمشكلة التي كانت ضد نظام واحد يحكم البلاد تحولت وتشعبت لمشكلات في دول عديدة وميليشيات طائفية تتحكم بالأرض والسماء وسلطة روسية واسعة تدير أروقة المفاوضات للبدء بمرحلة سياسية جديدة بفرض شروطها على الجميع نظاماً ومعارضة.. ولكن أين الشعب من كل هذا؟

الثورة مستمرة ولكن بأي أدوات؟ الحامل الأساسي للثورة متعبٌ منهك ويحتاج لتضميد جراحه ومن ثم نقاهة حقيقية يعيد فيها حساباته حتى يستطيع التفكير بوضوح بعد أن ثبت بلا شك فشل الخيار العسكري، فلا بد من أدوات جديدة تلائم المرحلة والمعطيات الجديدة بعد خسارة المناطق جغرافياً والسلاح دفاعياً ومواجهة السكان لمصيرهم عزّلاً أمام نظام عنده استعداد لسحق الحجر والبشر، وروسيا هي صاحبة الكلمة الفصل بكل مايحدث وسيحدث لاحقاً، ما الخيارات أمام الشعب؟

بالتأكيد الخيارات لا تندرج تحت بند الدبكات ورفع الصور والهتاف بالروح والدم للمجرم الذي توغل بالدم السوري ولكنها ستكون استراحة محارب يعاد فيها قراءة المشهد من جديد ولن تنتهي الحكاية هنا.. فحجم الدم الذي أريق في السنوات السبع كافٍ لإعادة الذكريات لمصابي الزهايمر في العالم كلّه عما حدث.. ولكن بتوازنات القوى الحالية والواقع الأخير لا تطلب أن تطاع إذا لم تطلب المستطاع.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل