مرّت ستة أعوام على تلك الحادثة الشنيعة التي حصلت في جمعة ’’دمشق موعدنا القريب‘‘ 25 أيار 2012، قتل وجرح حينها المئات من المدنيين في الحولة شمال مدينة حمص. لم يكن هذا الفعل مستغرباً يوم المجزرة، فنظام الأسد كان قد بدأ بترهيب السوريين حينها ودب الرعب في قلوبهم لرجوعهم عن المضي قدماً في ثورتهم، ثورة الحرية والكرامة.
كانت الصور القادمة من هناك مرعبةً، بقدر ما شهده أهل المدنية من رعبٍ في تلك اللحظات، التي وثقها الناشطون بعدسات كاميراتهم وهواتفهم المحمولة غارقين بنهرٍ من دماء الأطفال والأهالي المقتولين ذبحاً بالسكاكين وهو أكثر ما يصفع الضمير الإنساني، ليفوق عدد الضحايا 116 شهيداً و300 جريح. كل هذا بعد مناشدة العرب والعالم أجمع لإنقاذ هؤلاء الأبرياء من إجرام النظام، إلا أن السوريون أدركوا أن إخوتهم في التراب يقتلون أمام أعينهم دون أن يتحرك ضميرٌ عربي أو غربي لإيقاف شلال الدماء الهادرة من أجسادهم، فلم يكونوا يتعرضون لحملة قمع تقليدية، بل كانوا يتعرضون لحملة إبادة وحشية، لم ترتجف فيها أيدي القتلة وهي تواجه رعب الأطفال أو صراخ استغاثتهم.
لم تتوقف الأحداث هنا فحسب، فالانحدار الإنساني والأخلاقي الذي شهدناه من المؤيدين والموالين لنظام الأسد ورأسه بشار الأسد، تحول الافتداء بدمائهم كما يكتبون بشعاراتهم إلى افتداء “السيد الرئيس” بذبح الأطفال والنساء بطريقة وحشية، إلا أن هذه المجزرة كشفت هذا الافتداء الذي تحول إلى مذابح بحق أبرياء رفضوا الخنوع لنظام الاستبداد وسلطة البطش والظلم، وخرجوا بمظاهرات رافعين رايات وشعارات الحرية.
لم تكن المجزرة الأولى ولم تكن الأخيرة، ولكن ما ميزّها عن غيرها هو الرد الشعبي الغاضب والمعبر عن الحزن وهول الكارثة على مشاهدة ذبح الأطفال والنساء وارتفاع أعداد الضحايا كل دقيقة، فالقتل ذبحاً كان صادماً في نفوس السوريين الذين صعقوا من الانحطاط الانساني التي يغوص بها أبناء القرى الموالية والمتاخمة لمدينة الحولة، والتي قدم منها الجزارون لقتل الأبرياء منتصف الليل بعد وقت طويل من القصف الليلي على المدينة ليدخلوا من بعدها تحت غطاء هذا القصف، لا سيما أن الأهالي محتمين من شدة القذائف والصواريخ، ليلاقوا مصيراً أبشع منه.
الغضب الشعبي والدولي من مجزرة الحولة بدأ من مظاهرات منددة بالمجزرة ومطالبة بإسقاط نظام الأسد ورموزه، لينتهي بطرد السفراء السوريين من أكثر من عشرة دولٍ غربية، إلا أن ردود الفعل والمشاعر المقلقة من الانتهاكات الصارخة للقوانين الدولية، لم توقف الأسد عند حده، ولم تمنعه من متابعة مسلسل الإجرام بحق الشعب الأعزل محاربه لإيقاف ثورته تحت حجة الإرهاب ومكافحته.
لم تمنع المجزرة استمرار أبناء الحولة في الحراك الثوري، ليكملوا الدرب مع إخوتهم رغم جراحهم التي ستبقى عالقة في أذهانهم حتى يومنا هذا. حتى وإن عادت المنطقة إلى (حضن النظام) بعد سنوات من حياة الحرية وتصادف بأيام الذكرى السادسة للمجزرة، وحتى إن تهجر أهلها الرافضون لحياة الاستبداد والبطش بحكم الأسد وحلفاؤه، لن تنسى الجراح ولن تمحى ذكرياتهم الثورية في مناطق النزوح.
اليوم لم تعد المجزرة مجزرة بدماء فقط، ففي حكم الأسد لها فروع كثيرة، كمجازر الكيماوي (الغازات السامة)، كل هذا بهدف القضاء على الشعب الرافض لحكمه، إلى أن وصل لاتفاقيات التهجير القسري بمساعدة الحلفاء لإبعاد كل من يعارضه عن مناطق سيطرته، ليحكم مدنٌ خالية مدمرة يثبت عرشه على أنقاضها.
Sorry Comments are closed