أم أحمد…

فريق التحرير1 فبراير 2018آخر تحديث :
علي عز الدين
لوحة للفنان التونسي عاطف معطالله

مضت سبع سنوات عجاف على سوريا كحجري رحى يطحنان يومياً أحلام السوريين، ويحيلان ما تبقى لديهم من روح إلى ذرّات أمل موزعة على ابتسامات الأطفال حيناً وعلى العمليات السياسية والعسكرية حيناً آخر .. ودون اندثار تتابع النساء السوريات التسلّح بالأمل، وخوض حرب شعواء في وجه القدر الذي بات يحاصر ضحكات أطفالهن في ظل التغييب القسري للأب ..

فتراهنّ عاقدات العزم على النجاة و العيش بكرامة مهما كلّف الأمر من جهد، ومهما تطلب من تحدي لعادات المجتمع الذي يقذف الأنثى بشتى التهم لعدم وجود كتف رجل يحميها أو “يستر عليها” ..!

تمثّل “أم أحمد” نموذجاً للسورية الحرّة، ممن تمر عليهن سنوات الحرب مرور اللئام، حيث كل يوم يُطوى يكون له ألف قصة وغصة لتأمين أبسط حقوق الحياة الذي يرتسم أحياناً ب” كسرة خبز بكرامة”..!

بدأت قصة “أم أحمد” التي تنحدر من مدينة الرستن شمال حمص، عندما اعتقل زوجها الذي كان يعمل في الأعمال الحرة / نجار باطون / في الحملة العسكرية الثانية للجيش السوري على مدينة الرستن، حيث كانت “أم أحمد” تقطن في منزل بالإيجار برفقة أطفالها الخمسة (ابنتان وثلاثة صبيان) .. اعتقل النظام والدلهم في الوقت الذي كان أكبرهم في العاشرة من عمره وأصغرهم في الثالثة من العمر، وحرمهم حتى من قسوة كان يرجون لو أن الله أنعم عليهم بتلقيها من والدهم المُغيب ..!

“كنتُ أتألم كثيراً على حال أطفالي، حتى أني نسيت أن أفكر يوماً بحالي..! وبرغم الاكتئاب الذي أثقل روحي بعد خسارتي لزوجي، إلا أني لم أقف مكتوفة اليدين أمام أطفالي”.

ومن هنا بدأت حياة الكفاح عند “أم محمد” حيث امتهنت الخياطة التي كانت توفر لها ثمن الخبز فقط، لكن الحال لم يدم، وتعرض منزلها للقصف بعد فترة من الزمن واضطرت للنزوح مع أطفالها إلى حي لا يتجاوز عدد سكانه أربعة عائلات، مما عطل عملها في الخياطة.

فعاد العجز للظهور مرة أخرى في المشهد، لكن رغبتها في تقديم الحياة لأطفالها كانت أكبر، وعملت بالطبخ لأحد كتائب الجيش الحر في المدينة، وبقيت على هذا المنوال لمدة عامين حتى انتقلت الكتيبة من المدينة.

عجزت أم أحمد في هذه الفترة حتى عن تقديم الطعام لأطفالها، وبات همها الأكبر يتلخص في إيجاد عمل يحفظ كرامتها ويسد رمق الجوع عن أطفالها. وبالفعل فقد وجدت هذا العمل، كعاملة تنظيف لدى إحدى المنظمات التي تُعنى بالشؤون الطبية، بمرتب شهري يكفي لرفع الذل عن أم وأطفالها يعيشون دون معيل.

أضافت “أم أحمد” : “عندما وصلني نبأ استشهاد زوجي تحت التعذيب، حاولت الحفاظ على تماسكي أمام أولادي، فقد كانت نظرة الأسى والعجز في عيونهم هي جلُّ ما يرعبني ويسحب الروح من جسدي. أحلم لأولادي بمستقبل أجمل من الذي عشته في ظل نظام الأسد و وحشيته ، و القتل الذي طال حتى روح الحياة فينا ..! أحلم لهم بحياة تُشبه الحياة”.

أم أحمد تُجسد صورة سوريا القوية العصيّة على الذل، هي واحدة من آلاف الأمهات والنساء السوريات اللواتي لم يقبلن بأن يكنّ ضحايا لجرائم الأسد ونظامه، فرحن يرسمن خطوط الأمل على وجوه أولادهن، ومُحيّا كل من يعرفهن .. إنهن بكل فخر نساء سوريا الحرة..

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل