تعتقد قطاعات واسعة من السوريين أن النظام الدولي تراجع إلى درجة خطيرة، ما يعود إلى سلوكه الملتبس، ثم الرافض ثورتهم من أجل الحرية، على الرغم من أنها تبنّت قيما وأهدافا تتفق وتأسيس نظام ديمقراطي يصون السلام العالمي، ومصالح منظمات الشرعية الدولية وقيمها، ويتكفل بحماية حقوق الأفراد والجماعات والشعوب، ويفتح أبواب العالم أمام التجارة وتبادل المنافع، ويلتزم بقوانين إنسانية، يعطيها الأولوية.
ويؤمن سوريون كثيرون أن العالم سيسقط بين يدي نظام دولي مجاف للنظام الذي تم إنشاؤه بعيد الحرب العالمية الثانية، وأن النظام الجديد سيقلص دور السياسة، ويعتمد القوة أداة لتحقق الدول الكبرى مصالحها، والدليل ما يفعله الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في سورية اليوم، وما فعله في أوكرانيا وأبخازيا أمس، وما بدأ ترامب يفعله في سورية والعراق وأفغانستان، وكذلك ما أبدته الولايات المتحدة وروسيا من تساهل ثقيل الكلفة، وغير أخلاقي حيال بشار الأسد الذي تعرفان جيدا دوره الموثق في تشكيل تنظيمات إرهابية، وما ارتكبه من جرائم ضد شعب”ه” الأعزل، واستقدامه مرتزقة محترفين لقتل مواطني”ه” الآمنين.
ودعاه إلى احتلال سورية من حرس إيران الثوري، بينما رفض أي مصالحة وطنية أو حل سياسي، وأصر على حل عسكري، واستخدم جميع أنواع الأسلحة لتحقيقه، وفي مقدمها المحرّمة دوليا، وقتل مئات آلاف الأطفال والنساء بدم بارد، ثم عقد اتفاقيات تفرّط بالسيادة الوطنية وتعيد الاستعمار إلى سورية، طرفاها الآخران، روسيا وإيران اللتان سيرابط جيشاهما فيها إلى نصف قرن، على الرغم مما يثيره وجودهما في مناطق استراتيجية من البحر المتوسط، وعلى حدود العراق والأردن وتركيا، من مشكلاتٍ تتحدّى السيطرة عليها قدرات شعب تعرّض لمئات المجازر، وقتل ودمر عمرانه، فضلا عن الأزمات الدولية المشحونة بمخاطر تهدّد الشرق الأوسط بأسره، وحوض المتوسط وأوروبا.
واليوم، يقال إن العالم يريد أن يقبل السوريون بقاء بشار الأسد رئيسا لهم، على الرغم من أنه لم يترك جريمة سياسية أو إنسانية إلا وارتكبها ضدهم، وفعل بهم ما لم يفعله أحد قبله. هناك من يريد إبقاء الأسد، ضاربا عرض الحائط بملايين السوريين الذين تظاهروا سلميا عاما ونيفا من العام، للمطالبة بإخراجه من حياتهم، وربطوا حريتهم برحيله عنهم. ويعتبرون اليوم أيضا وجوده في وطنهم اعتداء صارخا على حقهم في الحياة، وحق أطفالهم في سقف فوق رؤوسهم، ومدرسة تعلمهم، وفرصة عمل يتعيشون منها، بعد إنهاء دراستهم، وحياةٍ آمنةٍ في وطن تحميهم قوانينه، وتقدّم لهم ما يليق بإنسانيتهم من احترام وعدالة وكرامة.
هذه الرغبة الشيطانية في الإبقاء على الأسد، يسوّغها أصحابها بعدم وجود بديل له! هل يصدّق عاقل أنه ليس هناك بديل لسفاح يقتل شعبا يحمل مئات الآلاف من بناته وأبنائه شهادات دراسية عليا، وتعجّ صفوفه بإداريين متميزين، ومثقفين مبدعين، وقانونيين مفوهين، بينما تبلغ نسبة فئاته البينية، المنتجة والمتعلمة، بين ستين وسبعين بالمائة من أبنائه؟ وهل يصدّق عاقل أن شعبا شارك في تأسيس الحضارة البشرية، تعداده 24 مليون مواطن، يخلو من بديل لمستبد قاتل، وعد السوريين بإصلاح أوضاعهم، قبل تسليمه الرئاسة وبعيده، وعندما ذكّروه بوعوده، انقضّ عليهم بكل ما في ترسانته من سلاح، وهدم بيوتهم على رؤوسهم؟
لنفترض أنه لا يوجد حقا بديل للأسد، هل يعطيه هذا الحق في رئاسة شعبٍ يرفضه، وقدم مليون شهيد خلال سبعة أعوام، كي يتخلص منه؟ أليس الحل المنطقي أن يتم البحث عن حل لمشكلته، بدل جعله المشكلة هو الحل؟ ألم يسبق للعالم أن وجد حلولا لمشكلةٍ كهذه في أكثر من مكان، خصوصا أن النظام الرئاسي الأسدي، الاستبدادي ألف بالمائة، لن يستمر كما يقال لنا؟ ألا يثير الاستغراب والإدانة أن يكون نظامه راحلا وهو باق، وأن يبقى بعد أن قتل وجرح وشوه واعتقل وعذب ملايين السوريين، دفاعا عن نظامه الاستبدادي، ولمنع قيام بديله الديمقراطي على انقاضه؟
من غير الجائز أن تكون هناك شرعية لقاتل، ومن غير المقبول ثوريا الامتناع عن فعل كل ما هو ضروري لتوفير مستلزمات رحيله التي لا بد أن تتعدّى، من الآن فصاعدا، المطالبة الكلامية به، إلى إقامة ظروف وأوضاع تجعل رحيله حتميا. هذا ما علينا فعله، لمنع العالم من أن يستمر في الاستهانه بنا.
عذراً التعليقات مغلقة