يكرّر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، القول إن السوريين هم الذين سيقرّرون مصيرهم. وكان الروس، في عام 2012 قد نصحوا بشار الأسد بتحويل ثورة السوريين من أجل حريتهم إلى حربٍ ضد الإرهاب، ووضعوا له خطةً ما أن ترجمها إلى العنف الذي تعرّض له السوريون من دون تمييز، بدءا من أغسطس/ آب 2012، حتى حققت هدفها الرئيس: التخلص من الحراك المجتمعي الواسع والسلمي، ودفع أوساط واسعة من السوريين إلى التمذهب والتعسكر، وصولا إلى تقويض ثورة الحرية، واستبدال المواجهة اليائسة مع المجتمع، بقتالٍ واعد مع مسلحين يسهل اختراقهم، سينقضّون مثله على ثورة الحرية، وسيتكفلون بإخراجها من المناطق التي أخرجته منها، وسيعتمدون مثله أيديولوجيات توزع الشعب على طوائف تنكر وحدته، وتحول المعركة ضده إلى حربٍ بين مواطنين أعداء. وبمرور الوقت وتعاظم العنف، ستتوفر أدلة كافية على أن المعركة في سورية حرب يدافع نظام شرعي فيها عن أمنه وسلامه، وأمن العالم وسلامه، ضد إرهابيين.
بالتناغم مع هذه الخطة، وقف لافروف، بأقصى وضوح، إلى جانب نظامٍ أعلن ملايين من مواطناته ومواطنيه الثورة عليه، وتمسّك، هو ورئيسه وجنرالاته، برئيسه وساندوه، من دون تحفظ، من خلال مئات التصريحات والتدابير الميدانية، وعطلوا النظام الدولي ومنظماته الشرعية لمنع إدانته على جرائم الحرب التي ارتكبها، فهل هكذا يدعم لافروف حق السوريين في تقرير مصيرهم، هل تقرير مصير السوريين مسألة تجريدية تعوم في فراغ، أم ترتبط بعلاقات القوى، من حيث سماحها بفعل التقرير وبنتائجه؟ وهل أسهم تحويل ثورة الحرية إلى صراع طائفي وحربٍ ضد شعب سورية الأعزل والمسالم في تعزيز قدرة السوريين على تقرير مصيرهم، أم فرض الأسد عليهم بقوة عملية إبادة منهجية نظمها الروس، وزوّدوها بما يلزم لنجاحها من أسلحة وخطط؟
ـ أرسلت روسيا، في 2015، أسلحة حديثة، بينها ستمائة سلاح جديد تمت تجربتها في سورية. سبق ذلك بيوم حديث للرئيس فلاديمير بوتين مع جنرالاته، في أعقاب مناورةٍ استخدم فيها السلاح الذي سيرسل إلى سورية، أخبرهم أنهم ذاهبون إلى سورية لإنقاذ الأسد ونظامه. هكذا، قرر بوتين مصير السوريين. شكرا له على صراحته، ولأنه تصرف كممثل تقليدي للحقبة الاستعمارية، وأعلمنا أن جيش روسيا، كغيره من جيوش الدول الاستعمارية، لن يغزو سورية، لتمكين شعبها من تقرير مصيره، وأن مهمته فرض الأسد عليه بالقوة؟
ـ استخدم الروس القوة للإمساك بخيوط جميع الأطراف المتصارعة، عدا إيران ومرتزقتها وكرد حزب الاتحاد الديمقراطي الأميركيين، وتفاهموا مع واشنطن على مسائل تتخطّى الحل السوري الذي سينضوي فيها ويتعيّن بها، الأمر الذي سيترك أبوابها مشرعةً أمام صراعاتٍ إضافية لا علاقة للثورة والشعب السوري بها، أهمها قاطبةً الصراع الدولي الروسي/ الأميركي الذي يقرّر مصير السوريين ولا يتقرّر به، فإذا أخذنا بالاعتبار أن الورقة الإيرانية ليست بعد في يد روسيا، وأن إيران منافسة لها، علمنا أن آخر ما يهم روسيا إعطاؤنا الحق في أن نكون أحرارا في تقرير مصيرنا الذي سيكون حتما ضد وجودها في وطننا، فهل بلغ استخفاف الروس بعقولنا حدا نوهم أنفسنا معه أن بين مهامنا تقرير مصيرها ومصير علاقاتها مع واشنطن وطهران، ووضعها الدولي، ونهاية نظام الأمن الإقليمي الذي أعلنت تصميمها على إقامته في المنطقة العربية؟ هل ستسمح روسيا حقا للسوريين بتقرير مصيرهم ، إن كانت سياساتها تستهدف هزيمتهم، والإبقاء على الأسد ونظامه أمرا واقعا؟
قتلت روسيا عشرات آلاف السوريين، ودمرت مقومات وجودهم، واحتلت بلادهم، وأعادت النظام بالقوة إلى مناطق عديدة، كان قد طرد منها، وطردتهم من مناطق يرتبط حقهم في تقرير مصيرهم بها، وتلاعبت بالقرارات الدولية، لكي تبقي الأسد رئيسا في مرحلة انتقالية تريدها من الحرية إلى النظام، على أن تجدّد رئاسته فترتين متتاليتين مدتهما أربعة عشر عاما تضاف إلى الأعوام الحادية والعشرين التي يكون قد أمضاها في الرئاسة. من أجل الأسد، أجهزت روسيا على أي توازنٍ بين المعارضة ونظامه، وخاضت الحرب نيابةً عنه، ثم يمازحنا لافروف بالقول إن السوريين هم الذين يجب أن يقرّروا مصيرهم.
سيد لافروف: ماذا سيقرّر السوريون؟ هل أبقيت لهم شيئا يقرّرونه، غير الاستسلام لكم، ولخونةٍ باعوكم وطنهم من أجل كراسيهم؟
عذراً التعليقات مغلقة