* عمر كوش
لا يوفر المسؤولون الروس مناسبةً إلا ويكرّرون القول إن بلادهم، أو بالأحرى نظامهم، لا يدعم بشار الأسد ونظامه، بل يخشون على سورية من مصيرٍ مشابه لمصير العراق أو ليبيا أو سواهما، ويتفنون في التنويع على مثل هذا القول، دفاعاً عن دكتاتورية الأسد ونظامه، مقدّمين مختلف الذرائع الواهية والكاذبة، وجاء جديدها على لسان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في محاضرةٍ ألقاها في مقر صندوق كوربر في برلين، حيث أبدى غيرته على سورية، ولم يخف هذا الرجل “الوديع جداً” خشيته من “أنه بعد القضاء على الدكتاتور، سيجري القضاء على البلد أيضاً”.
ولا نملك أمام حسه الإنساني المفرط أن نسأله عما تفعله مقاتلات نظامه وقاذفاته وصواريخه وقنابله حين تدكّ القرى والبلدات والمدن السورية منذ 30 سبتمر/ أيلول 2015؟ هل تحمل معها الورود والمساعدات، يا سيد لافروف، أم تدمّر ما تبقى من “البلد” من منازل ومشاف ومدارس وأسواق؟
ومع ذلك، بعد كل الدمار والقتل الذي أصاب سورية والسوريين، جرّاء التدخل العسكري الروسي السافر، إلى جانب التدخل المليشيوي لنظام الملالي الإيراني، يريد لافروف القول إن نظام بلاده البوتيني استقدم آلته العسكرية، ليس حماية للدكتاتور، بل حرصاً على سورية والسوريين، وللقضاء على “الإرهابيين” الذين يشكلون، بالنسبة إلى معيارية النظام البوتيني، غالبية الشعب السوري. وبالتالي، يجب القضاء عليهم، دفاعاً عن مجرمٍ، يعترف لافروف بنفسه بأنه دكتاتور، مع ملاحظة أن مفردة دكتاتور لا تثير حفيظة السيد لافرورف، فهو سليل الدكتاتورية السوفييتية، والابن الشرعي لدكتاتورية نظام بوتين، المغلفة بغلاف لعبة التبادل والتناوب على منصبي الرئاسة ورئاسة الوزراء بين بوتين وميدفيديف الطيّع، والجاهز تحت الطلب، ليلعب دوراً في لعبة الكراسي الرئاسية الروسية.
واللافت أن لافروف اتهم دولاً غربية كثيرة بالتعطّش للقضاء على الدكتاتور، في حين أن كل الوقائع تفيد بأن الدول الغربية وسواها لم تسع أبداً إلى القضاء على دكتاتور دمشق الذي تدخل النظام الروسي عسكرياً لحمايته، والدفاع عنه في مواجهة الشعب السوري، وليس “للقضاء على الإرهاب والتنظيمات الإرهابية”، كما يدّعي المسؤولون الروس من أمثال لافروف، إذ إنهم لا يملكون حتى تعريفاً واضحاً للإرهاب الذي يدّعون زوراً محاربته، فالإرهابي، حسبما عرّفه لافروف نفسه في نيويورك، في أكتوبر/ تشرين الأول 2015، هو ذلك الشخص الذي “يبدو وكأنه إرهابي، أو يتصرّف كإرهابي، أو يمشي كالإرهابي، ويحارب كالإرهابي”، وهو تعريفٌ يكشف ضحالة (وإفلاس) السند الفكري والسياسي الذي ينطلق منه.
وإن كان المسؤولون الروس قد تمكّنوا عبر تدخلهم العسكري السافر في سورية من المحافظة على نظام الدكتاتور، ومنعه من السقوط، فإن ذلك جرى على حساب قتل المعارضين، وتدمير حاضنتهم الاجتماعية، ولم يسلم المدنيون منهم، شيوخاً ونساء ورجالاً وأطفالاً، ولفّقوا كعادتهم مختلف الحجج والذرائع، تبريراً لما ترتكبه قوات نظامهم من جرائم في سورية بحق المدنيين في مناطق سيطرة المعارضة، حيث اعتاد المسؤولون الروس على إنكار استخدام مقاتلاتهم وقاذفاتهم القنابل العنقودية والفوسفورية والارتجاجية وسواها، في قصف المرافق المدنية، من مستشفياتٍ ومدارس وأسواق في مختلف المدن والقرى السورية، على الرغم من مئات الصور والفيديوهات التي تظهر استخدامها هذا النوع من الأسلحة غير التقليدية والمحرّمة دولياً.
ووصل التمادي الروسي في حماية الدكتاتور إلى حدّ إنكار الجرائم التي يرتكبها، وخصوصا جرائم استخدام الأسلحة الكيميائية في غوطتي دمشق وخان شيخون، كما سبق أن أنكروا، في البداية، تدخلهم العسكري المباشر في سورية إلى جانب الدكتاتور، وادّعوا أن مقاتلاتهم تقوم بعملياتٍ “محدودة” فقط، وتستهدف ضرب مواقع تنظيم الدولة “داعش”، في حين أن عشرات التقارير الدولية الموثقة، أظهرت أن 80% أو أكثر من غارات المقاتلات الروسية تستهدف مواقع الجيش السوري الحر، أو ما تعرف بالمعارضة المعتدلة والإسلامية، مقابل أقل من 20% من الغارات الروسية كانت تستهدف مناطق وجود عناصر “داعش”، وهي تصيب المدنيين في تلك المناطق، في أغلب الأحيان، وليس مواقع عناصر التنظيم.
وتثير تصريحات المسؤولين الروس عن دورهم في الحفاظ على سورية، وليس الحفاظ على الدكتاتور، سخرية متابعي الوضع في سورية، لأن أكاذيبهم باتت تحتاج إلى موسوعة غينيس خاصة بحكام روسيا الذين لم يملّوا من محاولات إنكار وجود مظاهر (ومواطن) الاستبداد والطغيان والفساد في نظام الدكتاتور، منذ بداية الحراك الاحتجاجي السلمي في سورية، وجسّدوها في ممارساتٍ وسياساتٍ تنفي وجود احتجاجاتٍ شعبيةٍ، سلمية الطابع، وكانت تطالب بالحرية والكرامة، وبتغيير نظام الاستبداد نحو دولةٍ مدنيةٍ تعدّدية وديمقراطية.
وعلى الرغم من ذلك كله، انكشف تماماً أن التدخل العسكري الروسي لم يكن من أجل محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أو هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة)، ومساعدة السوريين للوصول إلى حلّ سياسي، حسبما يزعم ساسة موسكو، بل تمكين النظام البوتيني من تثبيت وجوده العسكري المباشر في سورية، والحفاظ على مصالحه وتوسيعها، حيث إن الاتفاقية التي وقعها النظام السوري في أغسطس/ آب 2015 مع الطرف الروسي، تخول الأخير التحول إلى قوة احتلال مدة طويلة، ولا يحاسب عناصر الجيش الروسي بموجبها عن أي جريمةٍ يرتكبونها بحق السوريين، وكما لا يخضعون للتفتيش أو المساءلة القانونية.
- نقلاً عن: العربي الجديد
عذراً التعليقات مغلقة