* علي العبد الله
ثمة دعوة إلى إصلاح «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة» تدور في أوساط المعارضة السورية أطلقها أعضاء حاليون أو سابقون فيه على خلفية حالة الترهل التي بلغها والمطالبة بالخروج منها من دون ظهور ضوء في نهاية النفق على رغم مرور مدة زمنية كافية لذلك.
لم وأين المشكلة؟
أولاً، لم تنجح الدعوة في استقطاب قوى اجتماعية وسياسية مؤثرة لاعتبارات كثيرة وخطيرة أولها حالة الشقاق والانقسام داخل صفوف المعارضة وحواضن الثورة التي ترتبت على استبدال «الائتلاف» بـ «المجلس الوطني السوري» ودوافع القوى الإقليمية والدولية التي عملت على تشكيله ورعت ولادته.
ثانياً، حالة انعدام الثقة بـ «الائتلاف» وبالشخصيات التي تسلمت قيادته، ومنها أصحاب دعوة الإصلاح بخاصة، المنتشرة بين أوساط حواضن الثورة والتي ترتبت ليس على الفشل في إدارة الصراع من قبل «الائتلاف» ومؤسساته فقط، بل على الأمراض الذاتية التي عكستها سلوكياتهم من جهة، وانحيازهم خلال ممارستهم أدوارهم للاعتبارات والمصالح الخاصة (هروب معظمهم من ساحة المواجهة عند شعورهم باحتمال تعرضهم للخطر وقبولهم العيش خارج سورية، العمل بشروط مريحة، الترف، البذخ، النجومية، وما تفرضه من تنازلات وخضوع للجهة الممولة والراعية، الارتجال ورد الفعل، العجز عن العمل الجماعي المنظم والمدروس) من جهة ثانية، حيث لم تشاهد حواضن الثورة أياً من تلك الشخصيات، إلا على شاشات التلفاز وفي قاعات الفنادق الفاخرة، لم تلتق بهم لا في مخيمات اللجوء ولا في الأراضي المحررة.
إنها هوة واسعة وشرخ عميق بين واقعين: الشعب السوري بعامة وحواضن الثورة بخاصة (حيث مواجهة القتل والدمار والتشرد والجوع والبرد واللجوء والموت غرقاً)، وشخصيات وقوى سياسية، يفترض أنها تقدمت لتمثيلهم وقيادتهم من أجل تحقيق مطالبهم، تعيش في «فقاعة» رفاهية خمسة نجوم خارج البلاد وعلى الضد من معاناة العباد.
ثالثاً، عدم الثقة بأهلية أصحاب دعوة الإصلاح للقيام بهذه المهمة الحيوية والخطيرة والشك في منطقية المراهنة على وعودهم في ضوء التجربة المرة معهم عملاً بالمثل الشعبي «اللي يجرب المجرب عقلو مخرب».
رابعاً، تقدير الحواضن الشعبية لدوافع الدعوة وارتباطها بدواعٍ ذاتية (الهرب من مركب يغرق، تبرئة الذات والهروب من المسؤولية عن الفشل في إدارة الصراع والتسبب بهدر الإمكانيات والتضحيات، الادعاء بالتميز والقدرة على اجتراح المعجزات) وبمستدعيات الصراع على سورية بين دول «أصدقاء» الشعب السوري، إذ ولّد التنافس على الإمساك بالورقة السورية صراعاً على الإمساك بالمعارضة السورية وزجها في سجالات وحروب سياسية وعسكرية بالوكالة.
خامساً، وهو الأخطر، ارتباط نجاح عملية الإصلاح بحالة الثورة في شكل عام وبالتقديرات لطبيعة النهاية المنتظرة للصراع في سورية وعليها بشكل خاص. فالمشهد العام يشي بسلبيات كبيرة (تصدر الصراع على سورية المسرح، تبعية قوى الثورة والمعارضة للدول الداعمة، انخراطها في صراعات وحروب بالوكالة، قتل ودمار، خسائر ميدانية، فوضى، انكسار معنويات الثوار وخضوع لمستدعيات اللحظة بسبب غياب الأمل بنجاح الثورة في تحقيق أبسط مطالبها والذي جسدته حالات انتقال ثوار للقتال في صفوف ميليشيات النظام وحلفائه بعد أن قاتلوه لسنين). والتقديرات السياسية تنذر بكوارث كبيرة وخطيرة قادمة تحت تأثير انفجار الصراعات الدينية والمذهبية من جهة، وانخراط قوى ودول في الصراع على سورية وفرض خططها وأجنداتها على الصراع في سورية الذي أطلقته الثورة ضد نظام مستبد وفاسد من جهة ثانية.
تقتضي عملية إصلاح «الائتلاف»، إن كان ثمة إمكانٌ لإصلاحه، إعادة نظر في منطق التعاطي مع المشكلة والتدقيق في سلم الأولويات، بدءا من التفكير في أسباب انكسار الثورة وتراجع الأمل في تحقيق أهدافها إلى مواجهة الذات وتحدي حالة الرضا الخادعة عنها وتحديد المسؤوليات والاعتذار عن الأخطاء والممارسات السابقة التي قادت إلى كثير من السلبيات والنتائج المدمرة مروراً بوضع تصور منطقي وعملي لإخراج الثورة من عنق الزجاجة كمدخل لإصلاح «الائتلاف» ومؤسسات الثورة الأخرى. فالجدوى مرتبطة، وجوداً وعدماً، بإمكان إحياء الثورة وإطلاق مفاعيلها وتحقيق إجماع على أهدافها ومستدعياتها.
- نقلاً عن: الحياة اللندنية
عذراً التعليقات مغلقة