أقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الثلاثاء مدير مكتب التحقيقات الفدرالي (اف بي آي) جيمس كومي، مطيحا بذلك بالرجل الذي كان يقود تحقيقا واسع النطاق بشأن وجود صلات محتملة بين روسيا وفريق حملة سيد البيت الأبيض الانتخابية.
وفي تحرك أثار صدمة وشبهه البعض بفضيحة “ووترغيت” التي أطاحت بالرئيس السابق ريتشارد نيكسون، أخبر الرئيس الأمريكي كومي بأن مكتب التحقيقات الفدرالي بحاجة إلى قيادة جديدة وأنه ينهى خدماته “بشكل فوري”.
وبقيادة كومي، توصل “اف بي آي” إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعطى الضوء الأخضر لحملة واسعة تهدف إلى قلب نتيجة الانتخابات العام الماضي لتصب في صالح ترامب.
وأشعل طرده المفاجئ، الذي كان سببه ظاهريا سوء تعاطيه مع التحقيق في قضية رسائل البريد الالكتروني الخاص بالمرشحة الرئاسية هيلاري كلينتون، انتقادات نادرا ما تصدر عن الجمهوريين واتهامات بمحاولة طمس حقائق من الديموقراطيين الذين طالبوا بتحقيق مستقل.
وقرار ترامب إقالة مدير مكتب التحقيقات الفدرالي نظريا غير مسبوق، إذ طرد في تاريخ (اف بي آي) الذي يعود إلى مئة عام مدير واحد. ويذكر هذا القرار بالاقالات التي سرعت انهيار رئاسة نيكسون.
وفي رسالة نشرها البيت الأبيض، قال ترامب لكومي “تم إنهاء خدماتك وإقالتك، وسيطبق القرار فورا”، مضيفا “من الضروري العثور على قيادة جديدة لمكتب التحقيقات الفدرالي تعيد ثقة العامة فيه وفي مهمته الأساسية في إنفاذ القانون”.
“تستر”
واستغل ترامب الرسالة كذلك لمحاولة إبعاد نفسه عن الفضيحة المتعلقة بتدخل روسيا في الانتخابات. وكتب في هذا السياق “أقدّر بشكل كبير أنّك أبلغتني، في ثلاث مناسبات مختلفة، بأنني لم أكُن موضع تحقيق”.
وأوضح البيت الأبيض أن البحث عن خليفة لكومي سيبدأ على الفور.
ويتم عادة تعيين مدراء “اف بي آي” لمدة تبلغ عشرة أعوام. وتسلّم كومي البالغ من العمر 56 عاما والذي يملك شعبية في أوساط عملاء الجهاز، منصبه منذ أربع سنوات.
وفي رد فعل على خبر الإقالة، قال زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ شاك شومر لترامب “أنتم ترتكبون خطأ فادحاً”، مشيرا إلى أن القرار “لا يبدو وكأنه جاء محض صدفة”.
واعتبر شومر أنّه في حال عدم تعيين قاضٍ مستقلّ يتسلّم التحقيق بشأن وجود تنسيق محتمل بين روسيا وفريق حملة ترامب الانتخابية، فيحق حينها “لكل أميركي التشكيك في أنّ قرار إقالة كومي جزء من عملية التستر” على أمور متعلقة بالقضية.
ورد ترامب عبر موقع “تويتر” قائلا “شاك شومر الذي يتباكى الآن كان صرح مؤخرا: لم أعد أثق به (جيمس كومي). والآن يتصرف وكأنه ساخط”.
وأقدم بعض الجمهوريين الذين كانوا أعلنوا تأييدهم لترامب بعد تردد، على النأي بأنفسهم مجددا عن الرئيس. وقال السناتور ريتشارد بور “أنا قلق بشأن توقيت وسبب إقالة كومي”.
ووصف عضو الكونغرس الجمهوري جاستن أماش أجزاء من رسالة ترامب إلى كومي بأنها “غريبة”، مضيفا “أراجع مع بعض الموظفين القانون بهدف إنشاء لجنة مستقلة حول روسيا”.
ولعب كومي دورا كبيرا ومثيرا للجدل على الساحة السياسية الأميركية العام الماضي، إذ فجر قنبلة سياسية وراء الأخرى أثارت كل منها غضب أعضاء من الحزبين في واشنطن.
وأشارت مذكرة صادرة عن مساعد وزير العدل رود روزنشتاين إلى سوء تعاطيه مع التحقيق في قضية رسائل بريد كلينتون الالكتروني التي اعتبرت المرشحة السابقة أنها قوضت فرصها في الوصول إلى سدة الرئاسة.
وقال كومي الأسبوع الماضي للنواب إنه شعر ببعض من “الغثيان” من فكرة أنه تسبب في التأثير على نتائج الانتخابات، إلا أنه لم يكن لديه خيار آخر في التصرف.
“النيكسونية”
ومنذ بدء عهد ترامب في الرئاسة، شكل رئيس “اف بي آي” المُقال شوكة في خاصرة الرئيس.
ومؤخرا، أكد أن الوكالة تحقق في تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية العام الماضي وتحديدا في احتمال حصول تعاون بين فريق حملة ترامب وموسكو.
أما الديمقراطيون الذين أغضبهم تعثر تحقيقات الكونغرس في القضية إثر إصرار الجمهوريين على الدفاع عن ترامب، فأعربوا عن قلقهم بأن تحقيق “اف بي آي” بات الآن في خطر، ودعا عدد منهم إلى ضرورة تولي لجنة مستقلة استكمال التحقيقات.
واعتبر السناتور الديموقراطي باتريك ليهي أنّ الأمر شبيه بـ”النيكسونية”، معتبرا أن تبرير ترامب لإقالته لكومي “سخيف”.
وأضاف أن “هذا التفسير يعدّ لا أكثر من ورقة توت تغطي الحقيقة التي لا يمكن إنكارها وهي أن الرئيس أزاح مدير مكتب التحقيقات الفدرالي وسط أحد أكثر تحقيقات الأمن القومي حرجا في تاريخ بلادنا، والذي يشار فيه إلى تورط مسؤولين رفيعين من فريق حملة ترامب وإدارته.
وأثار قرار ترامب بداية إبقاء كومي الذي عينه الرئيس السابق باراك اوباما الدهشة في أوساط المنتقدين الذين رأوا في القرار مكافأة ضمنية على الدور الذي قام به في إفساد فرص كلينتون خلال الانتخابات.
ولكن في غضون أشهر، عاد رئيس “اف بي آي” مجددا إلى الواجهة وهذه المرة مستهدفا ترامب.
وخلال شهادة أدلى بها أمام الكونغرس الشهر الماضي، تحدى كومي الرئيس بشكل علني رافضا ادعاءه المفاجئ بأن أوباما كان يتنصت عليه.
ورغم نفي ترامب للاتهامات بأن فريقه تعاون مع موسكو واعتبارها “أخبارا كاذبة”، إلا أنه بات واضحا بشكل متزايد أن كومي كان وضع مسألة التدخل الروسي في الانتخابات نصب عينيه وهي مسألة تلقي ظلالا على رئاسة ترامب منذ بداية عهده.
عذراً التعليقات مغلقة