في ظل الأحداث الأخيرة وما شهدته بعض القرى السورية ذات الأغلبية العلوية من تجاوزات أثناء حملات التفتيش عن السلاح، يجب أن نتوقف للحظة ونسأل أنفسنا: هل نريد أن نكون مجرد منتصرين عسكرياً أم أصحاب رسالة حقيقية تحمل مشروعاً وطنياً جامعاً؟
لقد دفعنا كثوار ثمناً باهظاً لنصل إلى هذه المرحلة: مئات الآلاف من الأرواح، ملايين المهجّرين، ومدن دُمرت بالكامل. هذه التضحيات لم تُقدم من أجل الانتقام أو إذلال من وقفوا في صف النظام السابق، بل من أجل بناء وطن جديد يتسع للجميع، وطن قائم على العدالة والحرية.
التجاوزات التي حدثت مؤخراً لا تضر بالسلم الأهلي فحسب، بل تضرب في صميم هوية سوريا الجديدة التي نناضل من أجلها. إن إذلال شخص أو سرقته لمجرد أنه ينتمي لطائفة معينة أو كان مؤيداً للنظام السابق ليس فقط عملاً غير أخلاقي، بل ينسف الرسالة التي ندّعي أنّنا نحملها.
علينا أن ندرك أن الانتصار الحقيقي لا يكون بإذلال الآخرين، بل بإقناعهم بمشروعنا الوطني. أن تكسب قلباً واحداً وعقلاً واحداً لصالح قضيتك هو أعظم بكثير من إذلال مئات الأشخاص. هذا هو جوهر التغيير الذي ننشده، أن نقدّم نموذجاً مختلفاً تماماً عن النظام الذي ثرنا ضده.
النبي محمد صلى الله عليه وسلم قدّم لنا نموذجاً ملهماً في هذا السياق. بعد غزوة حنين، عندما تعفّف عن الغنائم وأعطاها للمسلمين الجدد وأعداء الأمس، كان هدفه واضحاً: تثبيت الرسالة في القلوب. لم يكن الهدف الانتقام، بل بناء مجتمع قائم على الإيمان بالمشروع الجديد. وبالقياس، نحن بحاجة إلى تصرف مماثل: أن نحافظ على أموال وأعراض من لم تتلوث أيديهم بدماء السوريين، ليس من أجلهم فقط، بل من أجل سوريا التي نحلم بها.
نحن أمام خيارين: إما أن نكون أصحاب رسالة تحمل مشروعاً واضحاً قادراً على إقناع الناس وجمعهم حوله، أو أن نسقط في دوامة الانتقام التي لا تبني وطنًا ولا تحافظ على هوية. الرسالة هي جوهر الثورة، وهي التي تعطي لتضحياتنا معناها.
سوريا الجديدة لن تُبنى بالسلاح وحده، بل ستُبنى بالرسالة التي تحمل الحرية والعدالة للجميع. علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا ومع شعبنا، وأن نقدم نموذجًا أخلاقياً يُقنع الجميع أن الثورة ليست انتقاماً، بل بداية لحياة كريمة لجميع السوريين.