مجنون يحكي وعاقل يسمع

عدنان عبد الرزاق26 فبراير 2024آخر تحديث :
عدنان عبد الرزاق

لا شيء سوى الإرادة والتخطيط وقليل من الأماني، لتنتقل سورية إلى مصافّ الدول الجاذبة للسياحة وهواة التزلج على الجليد حول العالم، فهي ليست أقل ميزة من إيطاليا أو سويسرا، ولا ينقصها عن الدول الطامحة والداخلة حديثاً هذا المضمار، كرومانيا وجورجيا وتركيا، سوى الحلم.

ولجهة الحلم والتصميم، فالحقائق والتاريخ يؤكدان أن صنّاع السياسة والاقتصاد في سورية الأسد أربابهما، فهم من أضافوا إلى الاستراتيجيات معاني ومستويات جديدة.

فهم من قهر المؤامرات الكونية العابرة للحدود أو بالممانعة من دون قتال، بعد أن أضافوا إلى معاجم السياسة “الرد بالمكان والزمان المناسبين” وإلى علم الاقتصاد، كل ما يلزم لقهر آدم سميث وتعرية ألفرد مارشال، بعد أن أسسوا مناهج قتل الشعب وتهجيره حلولاً للكثافة السكانية والفقر.

كما ابتكروا أساليب إنفاق بأقل من 5% من الدخل، وكل ذلك بعد أن دخلوا الموسوعات بأرقام جديدة حول نسبة الفقر والبطالة وتهاوي العملة وجذب الاستثمارات.
وأما لجهة معيقات صغيرة وتافهة، كعدم وجود ثلوج في سورية أو مخاوف السياح جراء الحرب والخطف والابتزاز، فتلك هيّنة على من بدّل أبجديات السياسة وحطّم مسلّمات الاقتصاد وبقي على كرسي الوراثة وإن عبر التلويح بتهريب المخدرات ونقل العنف، ليكون “بابلو اسكوبار” تلميذاً نجيباً مؤدباً بمدرسة بشار الأسد.

قصارى القول: الطرح أعلاه وإن يغرق بالتهكم والوجع، بيد أنه يستند إلى واقع وتصريح رسمي أصدره وزير السياحة في حكومة الأسد، محمد رامي مرتيني أخيراً.

وليكتمل المشهد الكوميدي اختار سعادة الوزير محافظة القنيطرة التي زار الجزء المحرر منها، جغرافية لحلمه، لتكون “شارة حرمون” بجبل الشيخ منافسة لـ “كورمايور – مون بلان” الإيطالية على جبال الألب.

وخلال هذيان لا يصدر حتى عن بلهاء مفصولين عن الواقع، يتابع المسؤول الأسدي أن الخطط المستقبلية تتجه نحو إقامة متنزّه في محافظة القنيطرة، بالتوازي مع دراسات تحضّر لإقامة أكبر منطقة للتزلج في سورية.

فالمنطقة تتحلى، كما اكتشف الوزير، بأعلى نقطة في سورية، 1814 متراً عن سطح البحر في جبل الشيخ، وأخفض نقطة في وادي الطعيم بنحو 300 متر عن سطح البحر. وذلك فضلاً عمّا تحتويه القنيطرة من عوامل جذب ديني كوجود ضريح أبي ذر الغفاري.

والذي قفز على معيقات الحرب وعدم الأمان وقلة هطل الثلج في سورية، إن لم نقل ندرته خلال العقدين الأخيرين، يمكنه ببساطة التغلّب على وجود الاحتلال الإسرائيلي لمناطق أحلام سيادة الوزير.

وهو الذي قال تصريحاً غير موارب أو خجل “عند تحرير الجولان سيكون لمحافظة القنيطرة نصيب سياحي كبير، وستكون من أكبر بوابات سياحة سورية استقراراً” من دون أن يحيط أحد علماً، أن الوصول إلى مناطق القنيطرة المحررة، يحتاج إلى تصريح بعد صفقة بيع الجولان بزمن الوارث، حافظ الأسد في حرب حزيران 1967 قبل جائزة وصوله إلى الحكم.

كما أن المنطقة برمتها، دخلت ضمن تفاهمات “أمن إسرائيل من أمن سورية” التي أطلقها رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد، مطلع ثورة السوريين عام 2011، للتذكير بمن يحمي بقاء الوريث…والتي فعلاً، أكدت الأحداث صحة قول رامي.

نهاية القول: يأتي التعقيب على بعض التصريحات أحياناً، رفعاً من شأن المصرّح وإضفاء أهمية على التصريح، مهما حمل التعقيب من قساوة وتفنيد ودحض.
فالرد، أي رد على الجنوح بتفكير الوزير لإقامة منتجعات في الجولان المحتل والتخطيط لمضمار تزلج على الجليد على جبل الشيخ، يُدخل الخبر الذي نتج عن زيارته إلى قرى محررة وفقيرة منهك أهلها في محافظة القنيطرة، حيز التداول وربما نرى لاحقاً، ميزانية لذلك التخريف ضمن الموازنة العامة للدولة.

كما السكوت وكظم الغيظ أو التجاهل، يدفع معاليه إلى التمادي بمديح سياسة الأسد وحكمته في جذب السياح، ألم يصرح مطلع العام الجاري بأن سورية، جراء الاستقرار، جذبت أكثر من مليوني سائح.

قبل أن يصوّب مستدركاً، أن 1.750 مليون منهم عرب ومن الجنسيات اللبنانية و العراقية و البحرينية والكويتية، و250 ألفاً من الأجانب، من الجنسيات الروسية، والباكستانية، والإيرانية، من دون أن يوضّح بالتأكيد، أنهم محتلون يتفقدون مستعمراتهم أو مليشيات طائفية تأتي لزيارة الأماكن المقدسة.. ويقتلون السوريين وأحلامهم، بما يفيض منذ وقت عن السياحة.

المصدر العربي الجديد
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل