بعد 10 أشهر من القتال.. حرب السودان معاناة بلا أفق

فريق التحرير15 فبراير 2024آخر تحديث :
تصاعد الدخان جراء اشتباكات بين قوات الدعم السريع والجيش في الخرطوم، السودان © أ ف ب

تتوسع رقعة الحرب في السودان دون هوادة، تاركةً وراءها دمارًا هائلاً وفوضى عارمة، فيما لا يلوح في الأفق أي أمل بوقفها.

فالقتال بين الجيش السوداني بقيادة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ومليشيا “قوات الدعم السريع” بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي” يكمل شهره العاشر دون تحقيق نصر واضح لأي من الطرفين، ودون مفاوضات جادة لوقفه.

بل على العكس، خلّفت الحرب ضحايا بعشرات الآلاف من السودانيين، وأجبرت الملايين على النزوح واللجوء، وهددت مستقبل البلاد بأكملها.

على الأرض، لم تتغير معادلة الحرب عسكريا أو سياسيا، منذ اندلاعها منتصف أبريل/نيسان 2023، فلا زال طرفاها يخوضان معارك عنيفة زادت معاناة المدنيين في كل ولايات البلاد الـ18.

واتسعت رقعة القتال من الخرطوم إلى إقليم دارفور بولاياته الخمسة (غرب) وكردفان بولاياته الثلاثة (جنوب) إلى ولاية الجزيرة (وسط)، وتخوم ولايات سنار (جنوب شرق) والنيل الأبيض (وسط) ونهر النيل (شمال).

كما طالت الولايات التي يمكن وصفها بالآمنة حتى الآن موجات نزوح كبيرة وتدهور في الخدمات الأساسية جراء الحرب، بما يشمل ولايتي الشمالية ونهر النيل (شمال) وولايات البحر الأحمر والقضارف وكسلا (شرق)، وولايتي سنار والنيل الازرق (جنوب شرق).

أرقام صادمة
ظل المتغير الثابت في الحرب هو ازدياد عدد المدنيين الفارين من ديارهم، إذ بلغ عدد النازحين واللاجئين 7.76 ملايين، بينهم حوالي 6.14 ملايين شخص نزحوا داخل البلاد.

وعبر حوالي 1.61 مليون شخص إلى البلدان المجاورة، بحسب التقرير الأخير الصادر عن مكتب الأمم المتحدة للشئون الإنسانية (أوتشا) في 12 فبراير/شباط الجاري.

ويقول المكتب الأممي في تقريره: إن “احتياجات المساعدات الغذائية في السودان تتسارع بسبب التوسع الأخير في القتال بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع”.

ويحذر من أن السودان قد يصبح خلال عام 2024 ثالث دولة تضم أعلى نسبة من السكان المحتاجين بين البلدان التي تراقبها شبكة نظم الإنذار المبكر بالمجاعة، التي ترعاها “وكالة التنمية الدولية” التابعة للولايات المتحدة.

ويشير “أوتشا” إلى عوامل تساهم في تدهور حالة الأمن الغذائي الصعبة بالفعل في السودان، منها “اتساع نطاق الأعمال العدائية، والنزوح واسع النطاق، والفظائع ضد المدنيين، وتدمير السلع والبنية التحتية، وانتشار النهب، وضعف وصول المساعدات الإنسانية” للمحتاجين.

ويتوقع أن تصل حالة بعض الأسر في مدينتي أم درمان غرب الخرطوم والجنينة بولاية غرب دارفور إلى مستوى المجاعة والكارثة الإنسانية، وهي المرحلة الخامسة والأشد سوءا من التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي.

والتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي هو أداة موحدة تستخدم معيارا عالميا لتصنيف شدة ومستوى انعدام الأمن الغذائي وتشارك في وضعه الأمم المتحدة.

ويلفت “أوتشا” إلى تحديات عدة تعرقل إيصال المساعدات الإنسانية في أجزاء كثيرة من البلاد، بينها انعدام الأمن، والنهب، والعوائق البيروقراطية، وضعف الاتصال بشبكات الإنترنت والهواتف، ونقص الوقود، والعجز المالي، ومحدودية عدد الموظفين الفنيين والإنسانيين على الأرض.

تداعيات كارثية
من جانبه، يحذر الصحفي والمحلل السياسي السوداني على الدالي من أن تداعيات الحرب كارثية على المواطنين، وتتمثل بحالات النزوح واللجوء والدمار والخراب للبنية التحتية، إضافة إلى القتل والسلب.

ويضيف، في حديث مع الأناضول: “هناك نذر مجاعة في البلاد بحسب التقارير الأممية، جراء الندرة في السلع والمواد الغذائية والأساسية، وفشل المواسم الزراعية (صيفا وشتاء) لعدم تمكن الناس من الزراعة؛ لأن معظم المناطق الزراعية واقعة في مناطق الصراع”.

ويتابع: “هناك سوء تغذية لدى الأطفال أعلنته منظمة الأمم المتحدة لحماية الطفولة (اليونيسف)، وتوقعت بموت الآلاف من الأطفال، هذه كوارث إنسانية خلفتها الحرب خلال عشرة أشهر”.

ويشير الدالي إلى أن هناك حرمان من التعليم بشكل أساسي في مناطق سيطرة الطرفين، فيما تدهورت المرافق الصحية بشكل كبير، وتفاقمت مشاكل توفير المياه النظيفة خاصة في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع.

ويستطرد: “هناك تباطؤ شديد من منظمات الأمم المتحدة العاملة في مجال العون الإنساني، ونحن كمراقبين متواجدين في السودان نرى ذلك حيث لا تصل الإغاثة لمستحقيها، والمنظمات تواجه عقبة التحرك في ظل الأوضاع الأمنية المتدهورة”.

مخاطر استمرار الحرب
ويحذر الدالي من خطورة التصعيد في التصريحات الأخيرة للبرهان وحميدتي، قائلا: “ربما يقود تصعيد الرجلين إلى مزيد من المعارك”.

لكنه لا يستبعد أن يكون لهذه التصريحات أسباب أخرى، قائلا: “أو تكون تكتيكا سياسيا لتقوية موقف الرجلين قبل الذهاب إلى التفاوض”.

وتعهد البرهان، لدى مخاطبته جنود وضباط الجيش بمدينة الدبة شمال البلاد، في 10 فبراير، بـ”القتال حتى النصر من أجل كرامة هذا الشعب وقواته المسلحة”.

وأضاف أن “الجيش يتقدم في كل المحاور، ويعمل جاهدا من أجل النصر، ودحر العدو في القريب العاجل”.

من جانبه، تعهد حميدتي، بعدها بيوم واحد، بأن “تنتهي الحرب في السودان لصالحهم قريبا” .

وأضاف في فيديو بثه عبر حسابه على منصة “إكس”، أن “قوات الدعم السريع وافقت على السلام من أجل السودان، لكن الطرف الآخر اختار الحرب”.

لا مكاسب
من جانبه، يقول الكاتب والمحلل السياسي السوداني جمال إدريس: “لم يحقق أيٌ من الطرفين أي مكاسب، لا على الصعيد العسكري ولا السياسي، بل خسرا كل ما في رصيدهما لدى شركائهما المدنيين”.

وفي حديث مع الأناضول، يرجع إدريس ذلك إلى “تعنت الطرفين في المواقف، وإفشال كل المبادرات الدولية والمحلية للتوسط بينهما لإيقاف الحرب”.

ويعتبر أن تداعيات الحرب على المستوى الإنساني “لا يمكن وصفها إلا بالكارثة، ويكفي الإشارة إلى أرقام منظمات الأمم المتحدة المرعبة، التي كشفت عن تعرض الآلاف للقتل، ونزوح ولجوء الملايين”.

ويضيف: “فضلا عن تهديد المجاعة لأكثر من نصف سكان السودان”، معتبرا أن هذه الأرقام قد تكون أقل من الواقع.

ويرجح إدريس أن التصعيد الأخير والتعهد بمواصلة القتال من قائدي الصراع، لا يتجاوز التصعيد الكلامي، “لرفع الروح المعنوية لقواتهما، وللتأثير على الرأي العام؛ فطوال عشرة أشهر، لم يستطع أحدهما أن يحقق نصرا عسكريا واضحا”.

وأردف: “هذا يدعم الرأي القائل إن هذه الحرب لا هدف لها سوى قطع الطريق على الحكم المدني، مهما كان الثمن باهظا”.

وخلال الفترة الماضية، لم تتمكن مفاوضات رعتها السعودية والولايات المتحدة في مدينة جدة بين الجيش والدعم السريع من إحراز اختراق يقود لوقف الحرب التي خلّفت أكثر من 13 ألف قتيل، وفقا للأمم المتحدة.

كما لم تنجح مساع إفريقية تقودها “الهيئة الحكومية للتنمية شرق إفريقيا” (إيغاد)، بالجمع بين البرهان وحميدتي، تمهيدا لوقف إطلاق النار وإيصال المساعدات.

المصدر الأناضول
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل