الحراك الشعبي الجديد..الصوت المتجدد لثورة السوريين

عبد الجبار العكيدي8 سبتمبر 2023آخر تحديث :
الحراك الشعبي الجديد..الصوت المتجدد لثورة السوريين
العقيد عبد الجبار العكيدي

لعلها من المفارقات الموجعة أن يتزامن الحراك الشعبي السوري المناهض لسلطة الأسد مع حراك عربي رسمي يسعى إلى إعادة تعويم نظام الأسد وتسويقه من جديد. ففي 15 آب/أغسطس، اجتمعت في القاهرة لجنة الاتصال العربية المنبثقة عن مؤتمري جدّة وعمان، لإجراء مباحثات مع وزير خارجية الأسد، فيصل المقداد، بخصوص العمل على تطبيق ما تم الاتفاق عليه ضمن مشروع “خطوة مقابل خطوة”.

وفيما يترقب فيه السوريون أن تمتد لهم يد الأشقاء لتكون عوناً لهم على مأساتهم المتمثلة ببقاء نظام الإبادة الأسدي، لم يخيّب المجتمعون في القاهرة الظن وأثبتوا أن مصلحة الأنظمة هي في مواجهة دائمة مع مصالح الشعوب، خصوصاً لدى أنظمة الحكم ذات الطابع الشمولي والاستبدادي، فكان أن أفصح البيان الختامي للقاء القاهرة عن انحياز واضح لدول التطبيع مع نظام الأسد، وتجاهل كبير لقضية الشعب السوري. ولكن ردّ السوريين لم يتأخر، ففي أعقاب اللقاء، شهدت العديد من المدن والبلدات السورية حراكاً شعبياً سلمياً مناهضاً لسلطات الأسد. 

لا شك أن هذا الحراك السوري الجديد، ينطوي على الكثير من الدلالات العميقة، سواء على المستوى الوطني للقضية السورية أو على المستوى الإقليمي، ويمكن لنا الوقوف بإيجاز شديد أمام أبرز تلك الدلالات:

1 – يأتي الحراك الشعبي بعد انقضاء أكثر من اثنتي عشرة سنة من عمر الثورة السورية التي انطلقت سلمية، فواجهها نظام الأسد بمزيد من العنف وحاول جاهداً تغيير مسارها السلمي، واليوم تعود الثورة إلى مسارها الأول الذي انطلق في حراكه السلمي الجماهيري على أوسع نطاق عرفته سوريا في آذار/مارس 2011 ضد الحكم الأسدي، مؤكّدةً أن تطلعات السوريين نحو التغيير وسعيهم للتحرر من الطغيان، ليس مجرّد رغبة عابرة رهينة للظروف، بل هي قرار جماهيري ناتج عن وعي السوريين بضرورة التغيير كخيار وحيد للتخلص من حياة العبودية.

2 –  يؤكّد الحراك الراهن والمتمثل بحركة الاحتجاجات الواسعة أن الرفض الشعبي لنظام الأسد لا يقتصر على منطقة بعينها أو عرق دون آخر أو طائفة دون سواها، فحين تشهد السويداء ودرعا واللاذقية وجبلة وحلب، حراكاً شعبياً يحمل أهدافاً متماثلة ويرفع شعارات واحدة وتحرّكه مطالب واحدة، فهذا يعني ببساطة تفنيداً وتكذيباً لادعاء النظام بأنه هو الظهير الأرحم للمكونات السكانية ذات الطابع الأقلوي في سوريا في مواجهة أكثرية سنية. ولعله لا يخفى على أحد أن نظام الأسد لا يزال يحاول إيهام المجتمع الدولي بأنه نظام علماني يحمي الأقليات في مواجهة التطرف، ولكن حركة الاحتجاجات التي تشهدها المدن السورية اليوم، تؤكد أن نظام الإبادة والإجرام الأسدي لا يمكن أن يكون حامياً أو ظهيراً أو مناصراً سوى لبقائه في الحكم واستمراره في السلطة وحسب.

3 – لعل الدوافع المشتركة لحركة الاحتجاجات الشعبية في كافة المدن والبلدات تؤكّد أن لدى السوريين دائماً ما يوحّدهم ويجمعهم، وان ما هو مشترك بينهم أكبر بكثير مما هو مُختلف عليه، فلا شك أن السوريين اليوم ينتفضون على السلطة مطالبين بحقوقهم الحياتية التي قام نظام الأسد باغتصابها وحرمان المواطنين منها، وباتت المواجهة بين الشعب والنظام تتجاوز تخوم السياسة والأفكار، وتدخل في الحيّز الوجودي، بمعنى أن المواطنين السوريين يدافعون عن حقهم في البقاء والاستمرار في الوجود، في مواجهة سلطة تريد من الشعب كاملاً أن يكون قرباناً لبقاء نظام الحكم فقط.

4 – إن الرفض الشعبي لبقاء الأسد، ومشاركة الحواضن الشعبية التي كانت محسوبة على النظام بهذا الرفض ومساهمتها في الحراك والاحتجاجات الشعبية، يمكن أن يكون رسالة واضحة الدلالة ليس لحلفاء الأسد التقليديين كالروس والإيرانيين فحسب، بل هي رسالة لجميع الدول العربية التي بادرت للتطبيع مع الأسد بعد زلزال 6 شباط/فبراير، تؤكّد أن أي محاولة لتعويم نظام الإجرام وإعادة تسويقه هي اعتداء كبير وآثم على إرادة السوريين، وكذلك هي اعتداء وإهانة لتضحياتهم العظيمة التي لم يبخلوا بها طيلة اثنتي عشرة سنة خلت.

5 – ولعل الأهم من ذلك كله أن هذا الحراك السوري الجديد يُخرس جميع المراهنين على اندثار فكرة الثورة. ربما كان صحيحاً أن الثورة قد أخفقت في العديد من الأهداف، ولكن سيرورتها لم تنتهِ بعد، وهي تحاول دائماً أن تجدد ذاتها من خلال تجديد وسائلها وأدواتها النضالية، وليست العودة إلى الحراك السلمي كما كان في الطور الأول عام 2011، سوى دلالة على أصالة الثورة وتجذّرها في وعي السوريين ونفوسهم.

 تزامنُ هذا الحراك الجديد مع ما تشهده المناطق المحررة في الشمال السوري من مظاهرات النخب الثورية التي تدعو لإسقاط الحكومة السورية المؤقتة والائتلاف، وترحيب جماهيري كبير بالعقوبات التي فرضتها الخزانة الأميركية على بعض الفصائل العسكرية الفاسدة، المحسوبة على الثورة زوراً وبهتاناً، والتي لا تعدو كونها ميليشيات أجرمت بحق الثورة، وشوهت سمعتها وأساءت لقيمها النبيلة، ما هو الا دليل كبير على نقاء الثورة ورفضها لكل الفاسدين والمجرمين، ورسالة جلية وواضحة بأن البديل عن الأسد لن يكون بالتأكيد هؤلاء الفاشلين الذين لا يمثلون ثورة هي من أعظم الثورات في التاريخ الحديث.

المصدر المدن
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل