الغاز هدية إسرائيل للنظام اللبناني

حازم الأمين13 أكتوبر 2022آخر تحديث :
الغاز هدية إسرائيل للنظام اللبناني

من سيدير الثروة النفطية في لبنان في حال باشرت الشركات العالمية استخراج الغاز من الحقول اللبنانية؟

الجواب حتى الآن أن السلطة الفاسدة والمرتهنة هي نفسها من سيتولى المهمة! السلطة التي سطت على ودائع الناس وعلى موجودات الدولة، وهرب رؤوسها أموالهم إلى الخارج هي نفسها من سيدير الثروة النفطية التي من المرجح أن تكتشف على الشواطئ اللبنانية. إذاً لا شيء جديداً.

قبل نحو عقدين من اليوم، قررت هذه السلطة أن ودائع المواطنين ستكون سبيلها للإثراء ولتمويل الفساد، ولتقديم الرشاوى لأمراء الطوائف لكي يمرروا السلاح والارتهان، وها هي اليوم، وبعد أن بددت الودائع، قد عثرت على ثروة جديدة تواصل عبرها المهمة نفسها!

نعم، السلطة نفسها. لم يتغير وجه واحد فيها. غادر منها سعد الحريري، لكن جهاز الفساد الذي كان يحيط به ما زال موجوداً وفاعلاً. أما الآخرين فما زالوا هم أنفسهم. نبيه بري ووليد جنبلاط، وطبعاً جبران باسيل وعلى رأسهم حزب الله وسلاحه ووظائفه. وفي مجال النفط ينقص هذه المنظومة شخصية مثل رياض سلامة، تؤمن لها توزيعاً عادلاً لعائدات الغاز على أمراء الطوائف. وإيجاد وسيط من هذا النوع ليس مهمة صعبة، فما أكثر اللبنانيين في أسواق الاتجار بالنفط، والخبرات في مجالات الوساطة والسمسرة تفيض عن لبنان إلى دول المنطقة بأسرها.

لكن القصة بدأت قبل ذلك. نهب الغاز بدأ قبل استخراجه. أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله قال أن الثروة الغازية ستكون سبيل لبنان للخروج من الانهيار التاريخي الذي يعيشه! إذاً معالجة الانهيار لن تكون عبر الإصلاح وعبر المحاسبة وعبر استرداد الأموال المنهوبة، انما عبر الغاز. عفا الله عما سلف، والنظام سيواصل اشتغاله كما هو، وسيحاول التقاط أنفاسه عبر الثروة الغازية المستجدة. ميشال عون، وصهره جبران، يحضران نفسيهما إلى تصوير الغاز بوصفه إنجازهما الذي سيختمون به عهد الأول وسيفتتحون به عهد الثاني!

نبيه بري بدوره يعتبر أن الثروة النفطية تقيم على ساحله، وأن قانا وصور وكاريش هي حدود جمهوريته، ونصرالله صور الاتفاق بوصفه ثمرة سلاحه، علماً أن الأخير محق بما زعم، إلا أن تصويره ما جرى بوصفه انجازاً للبنانيين ليس صحيحاً على الاطلاق، هو انجاز للمنظومة التي تتولى احتضان سلاح الحزب.

إذا نجح هؤلاء بما يخططون له فسيتم التمديد لآفات التجربة اللبنانية لعقود طويلة. اللبنانيون ليسوا وحدهم من ستحصد رقابهم الواقعة. الفساد اللبنانية آفة عالمية. المصارف الأوروبية غارقة بفساد اللبنانيين، والدول الأفريقية غير ناجية منه، والعراق وسوريا والأنظمة المصرفية في الخليج أيضاً.

العالم كله غارق بالفساد اللبناني. هذا ما كشفته عشرات التحقيقات الاستقصائية والوثائق المسربة. لبنان الأول عالمياً في الـ”أوف شور”، وما يرافقها من تبييض أموال وتهرب ضريبي، وهو صاحب أكبر انهيار مصرفي في التاريخ الحديث. لبنان هذا قرر العالم أن يعيد تعويم النظام فيه، وأن يجري صفقة معه.

على أسواق الغاز في العالم أن تعلم أن ثمة قادم جديد سيدْخلها في دواماته. سيكون الغاز حصصاً للطوائف ولأمرائها، وستوقع الشركات عقودها بإشراف المفتين والمطارنة.

خبرات جديدة قادمة سنعثر على أثر لها في بلاد الجنات الضريبية وسيجري تزخيمها في الـ”غولدن باسبور” وبأشكال الالتفاف على العقوبات الدولية. هذا هو لبنان يا مجتمع النفط والغاز العالمي، هذا هو القادم الجديد على أسواق الغاز وأسواق النفط.

أما حزب الله، الذي يتصرف بأنه قدم هدية للبنانيين عبر إجبار إسرائيل على الموافقة على ترسيم الحدود، فهو قدم هدية لنفسه ولحلفائه، ولا يساور لبناني واحد شك بأن ما سيستخرج من غاز سيناله منه فلس واحد. الغاز لهم وليس لنا. هو ثروتهم الجديدة التي سينعمون بها، التي قدموا في سبيلها تنازلات لطالما اتهمنا بتقديمها لمجرد أننا ضد السلاح غير الشرعي. قبلوا بما عرض عليهم، وهذا ليس عيبهم، إنما العيب في أسباب مسارعتهم بالقبول، وهذه الأسباب لا تتصل نهائياً بالتفكير بما أصاب الناس جراء الانهيار.

أما الدرس الأهم الذي حمله لنا اتفاق ترسيم الحدود فيتمثل في أن العالم لن يسعفنا بما نحن به من مصائب. العالم فاوض حزب الله، وفاوض الطبقة السياسية الفاسدة، لأن مصلحته معهم وليست معنا. إنه عالم الأقوياء، أما الضحايا من أمثالنا فلا مكان لهم على طاولة المفاوضات. قضية الضحايا وأموالهم المنهوبة وصحتهم وتعليمهم آخر هموم المتفاوضين.

المصدر الحرة
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل