عندما تحولت الثورة من وسيلة إلى غاية

هدى أبو نبوت31 يوليو 2022آخر تحديث :
هدى أبو نبوت

يردد كثيرون القاعدة الشائعة” الغاية تبرر الوسيلة” دون إدراك حقيقي لهذا المبدأ المكيافيلي الذي طرحه الفيلسوف الإيطالي في القرن السادس عشر، والتي قدمت بالاعتماد عليه مبررات لكل المستبدين والطغاة لتمرير مشاريعهم السلطوية، وتكميم الأفواه وتقييد الحريات ورسم مشاريعهم وترسيخها، فهم تطبيقا لها وحدهم أعلم بالطرق والأدوات الضرورية لإدارة البلاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا دون أدنى محاسبة.

ومنذ انطلاق الثورة ضد الحكم الأسدي، والتي شارك فيها ملايين من الشعب الثائر الفاقدين للخبرة السياسية بسبب القمع لعقود طويلة، وخبرات أخرى كالإعلام والتواصل الجماهيري التي كانت ضرورة حتمية لنقل ممارسات الأسد القمعية إلى الإعلام العالمي، في ظل التعتيم الإعلامي الرسمي على الانتهاكات وتشويه الحراك في ذلك الوقت.
اقحمت تلك الحاجة مئات الشباب والشابات لتجربة أعمال ومهام جديدة، مختلفة كليا عن اختصاصاتهم المهنية، وأصبحت بالبداية قاعدة “الغاية تبرر الوسيلة” كالشر الذي لابد منه، فالخيارات محدودة والشارع سابق للنخب والملاحقات الأمنية مكبلة للخطوات الهادئة، وتطبيقا لقاعدة “الثورة تجب ما قبلها” فتحت الأبواب للجميع، يكفي أن يكتسب أحدهم صفة ثائر أو ثائرة حتى يجدوا منابر ينطلقون منها للفضاء العام.

يوما بعد يوم وعاما بعد عام تم تكريس هذا الواقع نمطاً يمكن ملاحظته كظاهرة عامة، توغلت في كافة مفاصل الثورة والمعارضة لاحقا، وباتت مرضا عضالا في جميع كياناتها (العسكرية والسياسية والإعلامية ومحركاتها الاجتماعية)، وبقيت صفة “ثائر” شهادة حسن سير وسلوك تتخطى المعرفة والتجربة والخبرة لأداء المهام المختلفة، ورسمت حصانة مقدسة أكثر خطورة من الحصانة الدبلوماسية على الأصوات القليلة التي حاولت نقد هذه الظاهرة في محاولة لتقليل الآثار السلبية التي انعكست على ملايين النازحين واللاجئين في داخل سوريا ودول الجوار، وتراجع اهتمام العالم بالملف السوري سياسيا وبمعاناة السوريين/ات الإنسانية.

في غفلة من الزمن القصير من عمر الثورة الذي امتد ١١عاما، تحولت قاعدة “الغاية تبرر الوسيلة” إلى نمط في الإدارة يتّبعها جلّ من يعمل في هياكل المعارضة التي تم تشكيلها لاحقا، فكل جهة، عسكرية كانت أم سياسية أو حتى إعلامية، تضعها كسد منيع يقف أمام النقد البناء لعمل الأفراد والجماعات، وسوط يلوح في وجه كل من يحاول سلوك نهج آخر يعيد الأمور إلى نصابها الصحيح، وطرح أي فكرة تعيد للشعب امتلاك أدواته كل حسب خبرته المهنية والعلمية، لعل وعسى نستطيع الخروج من عنق الزجاجة.

وبالعودة لمراجعة السنوات العشرة الأخيرة نلاحظ أن أول خطوة تم اتباعها لتكريس مبدأ “الغاية تبرر الوسيلة”، تم رسمه بعناية فائقة بمصطلح “أيقونات الثورة”، شخصيات عسكرية وسياسية ونشطاء بالمجتمع المدني وإعلامين/ات، تم تصيرهم كنماذج مقدسة يمنع الاقتراب منها ونقد عملها، حتى بات من السؤال البديهي عن مؤهلات هذه الشخصيات العلمية أو المهنية، وإن كانت تسمح لهم بالتقدم لهذه المهام التي كانوا يشغلونها أم لا، سببا كافياً للتخوين والإقصاء الممنهج، حتى تبقى عجلة هذه الدورة دائرة بذات النسق.

“الغاية تبرر الوسيلة” سلاح استخدمه بشار الأسد ونظامه ضد الشعب الثائر، عندما استخف بمؤهلاتهم وخبراتهم وقدرتهم على المساهمة في بناء دولة، فكان يقدم نفسه النموذج الوحيد القادر على حماية سوريا، فلا يوجد شخصية تصلح لقيادة سوريا غيره، فهو الفيلسوف الناصح والقائد الفذ، يجمع إمكانات مراكز أبحاث كاملة في عقله الصغير، لا يمكن لأي سوري أن يصل إليها، واختصر كل تاريخ سوريا وحضارتها وخبرات أبنائها بـ “سوريا الأسد”.

ومن المضحك المبكي أن معظم الشخصيات والمؤسسات في الثورة والمعارضة استخدمت ذات السلاح، فالجميع بقدرة قادر تحولوا إلى خبراء عسكرين وكتاب وسياسين وإعلامين وباحثين، وإذا تجاوزنا التشكيك بما يمتلكون من خبرات حقيقة (أثبتت النتائج الكارثية عدم امتلاكهم لها)، فمن حق أي سوري/ة أن يسألوا ألم تنته حقبة “النفخ في نفس القربة”، وألم يحن الوقت للالتفات لباقي شرائح الشعب والتعرف على إمكاناتهم وخبراتهم ومؤهلاتهم الحقيقة، التي بدأت تظهر بمحافل مختلفة بالآونة الأخيرة؟ وألم يكن هدف الثورة هو التخلص من “القائد إلى الأبد”؟ بالتالي يجب إعادة تعريف “مفهوم الثورة” كوسيلة للتغيير وليست غاية للمنتفعين منها.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل