حرية برس – عائشة صبري:
تسعى فرق الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) جاهدةً إلى الحد من انتشار وباء “كورونا” وخاصة متحور دلتا الذي يتميز بسرعة انتشاره وإمراضيته الشديدة وإصابته للأعمار الصغيرة، وذلك عبر التعقيم المستمر ومساعدة الكوادر الطبية في مستلزمات الوقاية ونقل المصابين.
ويستمر ارتفاع عدد الإصابات والوفيات بالفيروس، في شمالي غربي سوريا بالتزامن مع إشغال كافة أسرّة العناية المشددة وشحّ المستلزمات الطبية الخاصة بالكشف عن حالات الإصابة.
وفي آخر إحصائية اليوم الخميس، توفي 14 شخصاً بينهم سبع نساء نقلتهم فرق الدفاع المدني من المشافي الخاصة بفيروس كورونا ودفنتها وفق الإجراءات الاحترازية، كما نقلت 47 مصاباً بينهم ثلاثة أطفال، إلى مراكز ومشافي العزل.
وللوقوف على معرفة آلية عمل فرق “الخوذ البيضاء” في الوضع الحالي وماهية الإجراءات والصعوبات التي ترافق عمل الفرق المختصة بـ”كورونا”، التقت “حرية برس” مع مدير الدفاع المدني السوري، رائد الصالح، وكان الحوار التالي:
- كيف يتم إحصاء عدد الوفيات والإصابات بمرض كورونا وما نسبة الأطفال والنساء؟
بدايةً لا بدَّ من توضيح أمر مهم يتعلّق بمسألة تحديد عدد الإصابات بفيروس “كورونا” وماهيتها، هذا الأمر هو اختصاص الجهات الطبية العاملة في شمالي غربي سوريا بشكل كامل، وفرقنا لا تمتلك الأرضية الطبية لهذا الأمر أبداً، وعملنا كخوذ بيضاء يرتبط بعمليات التعقيم والتطهير للمرافق العامة وتوعية المدنيين إضافة للاستجابة بنقل المصابين أو من يشتبه بإصابتهم إلى المشافي ومراكز الحجر.
يضاف لذلك، دفن الوفيات المصابة بالفيروس، وتأمين الكمامات والألبسة الواقية والأقنعة البلاستيكية للكوادر التي تستجيب لـ “كورونا”، وللكوادر الطبية عبر معامل أقامها الدفاع المدني السوري لتأمين معدات الحماية هذه، إضافة لمعمل للأوكسجين يساهم بدعم عدد من المشافي وسيارات الإسعاف بالأوكسجين أحد أهم المستلزمات الطبية المنقذة للحياة.
وآلية عملنا هي بالتنسيق مع الجانب الطبي بما يخصّ الوفيات، فيصلنا بلاغ من المشافي ومراكز العزل الخاصة باستقبال حالات فيروس كورونا، وتقوم فرقنا بنقل الحالة ودفنها وفق إجراءات احترازية عالية لضمان عدم انتقال العدوى، والجهات الطبية هي من تحدد سبب الوفاة، لأن هناك حالات رغم أنّها تكون مصابة بالفيروس لكن قد تكون أسباب الوفاة ليست الفيروس، كما أن عدد كبير من الوفيات لا تظهر نتائج المسحة بشكل مباشر بسبب الضغط على مراكز التحليل وقد تحصل الوفاة قبل ظهور النتيجة.
وبحسب الجهات الطبية، بلغ عدد الوفيات بفيروس “كورونا” في شمال غربي سوريا حتى الخامس من الشهر الجاري، 1,357 حالة، فيما بلغ عدد الإصابات 76,750 حالة، وإجمالي حالات الشفاء 41,584 حالة.
- كم متطوع يشارك في الدفاع لمواجهة الجائحة وما مبادراتكم الجديدة؟
يشارك نحو 750 متطوعاً ومتطوعة من الدفاع المدني السوري في الاستجابة للجائحة موزعين على شمالي غربي سوريا، وتعمل 20 سيارة إسعاف على مدار الساعة لنقل المصابين والمشتبه بإصابتهم إلى المشافي ومراكز العزل.
وقبل أيام أطلقت متطوعات الدفاع المدني السوري مبادرة للرعاية المنزلية للمصابين بالفيروس في منطقة أعزاز والمخيمات المحيطة بريف حلب الشمالي، وذلك لتقديم الرعاية الصحية لهم داخل منازلهم، في ظل إشغال كافة المشافي وعدم القدرة على استيعاب المزيد من الإصابات بعد الارتفاع الحاد بأعداد المصابين بفيروس كورونا في شمالي غربي سوريا، ولن تكون هذه المبادرة هي الوحيدة في المنطقة، بل ستكون هناك مبادرات مشابهة بمناطق أخرى في الأيام القادمة.
ويقوم بالمبادرة متطوعات من الفرق النسائية بالدفاع المدني السوري خضعن لتدريبات بخصوص رعاية مرضى كوفيد 19، وتقدم المتطوعات الرعاية الطبية لأكثر من ستين مصاباً بشكل يومي وتشمل الإسعافات الأولية، وجلسات الرذاذ، وقياس أكسجة، وفتح أوردة.
- ما مدى انتشار الفيروس في مناطق الشمال السوري؟
انتشار الفيروس في جميع مناطق شمالي غربي سوريا، وأغلب الحالات هي من سلالة دلتا وهي سريعة الانتشار وشديدة الأمراض وتصيب جميع الفئات العمرية، وحقيقة الوضع الكارثي، والأكثر تعقيداً هو انتشار الفيروس في المخيمات التي يقطنها أكثر من 1.5 مليون مدني، ولا يمكن تطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي فيها، وتعاني من نقص كبير في الخدمات الأساسية والإصحاح، كما تشهد المدن المكتظة بالمدنيين كإدلب وحارم وسلقين وسرمدا وأعزاز وعفرين ارتفاعاً ملحوظاً في أعداد الإصابات اليومي.
- ما المعوقات التي تواجه الدفاع المدني في التصدي للجائحة وخاصة المخيمات؟
إنَّ القدرة على الاستجابة للفيروس لا يمكن أن تكون بمعزل عن الإمكانات والسياق العام لشمال غربي سوريا، فالنظام وحليفه الروسي دمّروا المشافي بهدف حرمان السكان من خدماتها، واستهدفوا الكوادر الطبية أيضاً، كما أنَّ تردّي الأوضاع الاقتصادية يجعل تطبيق إجراءات الوقاية والتباعد الاجتماعي بغاية الصعوبة، في منطقة تعدّ من أكثر المناطق كثافة من حيث السكان، نتيجة لحملات التهجير التي طالت ملايين السوريين، ما يعني كارثة حقيقة باتت واضحة ولاسيما في المخيمات التي يعيش فيها أكثر من مليون ونصف مليون مدني يعانون من تردي أوضاعهم الاقتصادية وفقدان الخدمات الأساسية ما قد يجعلها بؤرة حقيقية للمرض.
وسبق أن أعلنت المنظمات غير الحكومية العاملة في القطاع الصحي في مناطق إدلب وحلب شمالي غربي سوريا، في العشرين من الشهر الماضي، دق ناقوس الخطر باقتراب وشيك لانهيار القطاع الصحي بسبب وصول جائحة كورونا (كوفيد 19) إلى ذروتها في المنطقة.
ونشرت منظمة الدفاع المدني بياناً مشتركاً مع منظمات إنسانية وطبية، في السابع من الشهر الفائت، أكدت فيه أن منطقة الشمال السوري تشهد ارتفاعاً غير مسبوق في أعداد الإصابات بفايروس كورونا، وانتشار متحورات جديدة أشد خطورة من الفيروس الأصلي، وخاصة متحور دلتا، ,يوم الجمعة الفائت، أطلقت منظمات حملة تحت مسمّى “نفس”، وذلك لتأمين المستلزمات الطبية بالتنسيق مع مديرية الصحة ومنظمة الدفاع المدني السوري.
- رائد الصالح في سطور:
رائد الصالح (37 عاماً) هو مدير الدفاع المدني في سوريا، أو ما بات يعرف بالخوذ البيضاء، ابن مدينة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي، كان يعمل في مجال التجارة قبل انطلاق الثورة، ومن ثم انتقل للعمل الإنساني على الحدود السورية التركية، حتى تم تشكيل مؤسسة الدفاع المدني والتي حققت نجاحات واسعة، وحققت شهرة في كافة أنحاء العالم وحصدت عشرات الجوائز والأوسمة.
وفي بدايات الثورة عمل ضمن إدارة المخيمات في تركيا، وتحديداً في توزيع الطعام والخيام على اللاجئين، بالإضافة إلى دوره في عملية إدخال الجرحى من المناطق المحاذية للحدود السورية عن طريق سيارات الإسعاف إلى الداخل التركي من أجل تلقي العلاج، وتم إطلاق المؤتمر التأسيسي للدفاع المدني في 25 / 10 / 2014 حيث تم توقيع الميثاق الذي ينصّ على تنظيم كل فرق الإنقاذ في سوريا في ظل مؤسسة واحدة.
يذكر أنَّ مؤسسة “الخوذ البيضاء” حظيت بـ “سيط واسع” عالمياً لإنسانيتها وعملها الذي تقدمه، فنالت عشرات الجوائز والأوسمة العالمية التي أقلقت النظام وحلفائه، فالعالم اعترف بهم كـ “أبطال”، واحتفل بأعمالهم وتوثيق إنجازاتهم في مواجهة الموت، مستقلين .. وحيدين .. هدفهم وشعارهم: “ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً”.
عذراً التعليقات مغلقة