كورونا وهستيريا التخزين التي لم تصب السوريين رغم الحصار

هدى أبو نبوت20 مارس 2020آخر تحديث :
كورونا وهستيريا التخزين التي لم تصب السوريين رغم الحصار

منذ بداية انتشار فيروس كورونا تنقل لنا وسائل الإعلام صوراً تبدو غريبة لمواطنين ينتمون لدول تصنف في أعلى الهرم الاقتصادي والعلمي والسياسي، يتهافتون على المتاجر ويخزنون المواد الغذائية والمنظفات بأعداد كبيرة جدا حتى فرغت رفوف المتاجر بشكل كامل في ظاهرة غير مفهومة لشعوب من المنطقي أنها تثق في حكومتها المنتخبة وبأن تلك الحكومات لن تتركهم بدون طعام وشراب مهما كان السيناريو ضبابياً وغير مألوف.

وأنا المواطنة من العالم الثالث المنحدرة من سوريا التي تعيش مقتلة حقيقية منذ ما يقارب ٩ سنوات استخدم خلالها كل أنواع الاسلحة وتحول نصف شعبها إلى لاجئ في دول الجوار والعالم، عندما أشاهد يوميا هذه الصور لا أستطيع أن أتوقف عن المقارنة بين هذه التصرفات وتصرفات الشعب السوري أثناء الحرب المستمرة حتى الآن، لماذا لم يتصرف السوريون بنفس الطريقة؟ ألسنا من شعوب تصنفنا الأمم المتحدة بالعالم الثالث؟ نفتقر في بلادنا إلى الكثير من الخدمات ونعاني من تردٍ في مستوى التعليم ولا نملك أي جامعة لديها ترتيب جيد على مستوى العالم ونتهم بالفوضى الدائمة والنمط غير الحضاري بالتعامل ولكننا لم نهجم على المتاجر حتى في أسوء الظروف عندما كانت تتقطع أوصال المدن وتحاصر البلدات ونعاني من نقص المواد الأساسية بشكل كبير، مثلما نرى كل يوم ما يحدث في بعض الدول الأوروبية مما اضطر ميركل للخروج إلى الشعب في تسجيل متلفز ترجو الشعب أكثر من مرة عن التوقف عن هستيريا الشراء وتدعوهم للتكافل والتضامن وهم ما زالوا يعيشون ظروف طبيعية في دولة تصنف من الدول الأولى عالميا في الاقتصاد والصناعة.

لا يمكنني أن أمنع نفسي من المقارنة والدهشة في آن معا، عندما أتذكر تفاصيل عشتها في سوريا مثل تلك الأيام التي كانت تقسم فيها حلب إلى شرقية وغربية يفصلها منطقة تسمى بستان القصر أصبحت شهيرة عالميا بسبب حالات القنص اليومية التي كانت تحدث باستهداف قناصي النظام السوري للمدنيين الذين يعبرون يوميا من شرقها إلى غربها، في أواخر عام ٢٠١٤ فرضت فصائل المعارضة حصاراً على القسم الغربي الذي يعيش فيه مدنيين تحت سيطرة الأسد ولكن على الرغم من الشرخ الاجتماعي الكبير الذي حصل بين الشعب الواحد بسبب موالاة النظام أو معارضته حاول عدد كبير من عابري هذا المعبر إدخال ما تيسر من الخضار والخبز إلى أهلهم أو أصدقائهم على الرغم من مضايقة ومنع مسلحي الفصائل على الحواجز العسكرية، وفي أحد الأيام اشتريت سندويشتين لي ولصديقتي ورفض أحد عناصر جبهة النصرة أن ادخل اثنتين وقال لي “أنت شخص واحد ويحق لك واحدة فقط” ورميت الاثنتين في وجهه ودخلت خالية الوفاض وفي المساء على العشاء تناولنا طبق من الاندومي ما زلت أتذكر مذاقه حتى الآن.

مرت أيام وأسابيع وشهور في سوريا حاصر بها الأسد مناطق عديدة مثل جنوب دمشق وريفها ومخيم اليرموك ومنع دخول المواد الغذائية لتركيع أهلها وفرض عقاباً جماعياً على السكان لانخراطهم في الثورة، كان هناك تجار حروب ومستغلو حاجة الناس يرفعون الأسعار ويتحكمون في السوق ولكن كان بالمقابل هناك نوع غريب من التكافل الاجتماعي الكبير حتى عندما كانوا يخبزون الشعير لإعداد الخبز بدلا من الطحين ويجمعون الحشائش لإعداد الشوربة التي تشبه كل شيء إلا الشوربة ولكنها تبقيهم أحياء لليوم التالي وهكذا.

كانت تمر أيام وشهور بدون كهرباء وبعض ميسوري الحال يملكون المولدات الكهربائية لتشغيل البراد بضع ساعات لكي نحظى ببعض الماء البارد في درجة حرارة تقترب من الأربعين وخصوصا في رمضان، يأتي بعض الجيران لطلب القليل من الماء البارد بعد صيام ساعات طويلة وكنا نتقاسم معهم الماء والخبز إذا كان قليلاً وحتى المازوت في أيام الشتاء على الرغم من ارتفاع الأسعار.

لماذا لم نتصرف نحن الشعب البسيط المصنف عالميا بالمتخلف بهذه الأنانية؟ لماذا لم تكن تلك الأمور تشغل تفكيرنا؟ لماذا توحدنا مع بعض في أسوء الظروف بشكل بديهي دون تفكير أو تخطيط ولم نحتج لأحد أن يطلب منا ان نكون متضامنين او يذكرنا بهذا.

حاولت كثيرا أن أكون بعيدة عن المقارنة لأنني لست من هواة التعميم أولا، فبالتأكيد لم يصب هوس الشراء والتخزين جميع الأوروبيين تحت تأثير الخوف من تبعات انتشار فيروس كورونا، كما أنه لم يكن كل الشعب السوري مثالياً ومتعاوناً مع بعضه على طول الخط، ولكن عندما يتحول تصرف مجموعة من الناس لظاهرة تتناقلها وسائل الإعلام وتستدعي تطمينات من الحكومة، فأنا المواطنة السورية التي عاشت ظروف استثنائية أخطر من كورونا على بلدي لسنوات طويلة ولم أشاهد مثل هذه الظاهرة سيجعل المقارنة في عقلي بديهية وسأطرح الكثير من الأسئلة.

هل كل ما كنا نعتقده عن المجتمعات المتطورة صحيح بالمجمل؟ هل هم أكثر تحضرا منّا على المستوى الإنساني حقا؟ أليس من المنطق أن يظهر هذا الفارق الحضاري الكبير أثناء المحن والأزمات؟ أليس من الأولى للشعوب التي تقدم نفسها مدافعة عن حقوق الإنسان والحيوان والأقليات والبيئة أن تكون رحيمة فيما بينها؟ لماذا نرى هذا المعدل العالي من الأنانية والاستهتار؟ في حين أن شعوبنا المغلوب على أمرها والتي لا تحظى بعشر مستوى الحياة التي يعيشها مواطنو تلك الدول يتقاسمون رغيف الخبز والماء والأمل.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل