مع اقتراب العام التاسع على بدء الثورة السورية العظيمة هل كنا نتخيل أنها ستنتهي بنصف الشعب في مخيمات الداخل ودول الجوار؟
أصبح من الضروري أن نطرح على أنفسنا أسئلة جوهرية صادقة مع أنفسنا عن أحلام البدايات وواقع النهايات، من كتب هذا السيناريو ولأي هدف بالضبط؟
من البديهي أن أي ثورة تصاحبها فوضى لأنها انقلبت على كل المفاهيم والسياسات التي حكمت شعباً لعقود بالحديد والنار ولكن هل كان يعي الشعب السوري نهاية الطريق الذي بدأ فيه؟ أم تم جره لطرق وتفرعات لا يريدها وأجبر عاماً بعد عام على خيارات انتهت بنصف الشعب بالخيام؟
يجب أن نعترف أولا أن تأثير ثورات الربيع العربي على سوريا كان نتيجة حتمية لما حدث، واستطاع الشعب السوري أخيرا رفع صوته وقول لا ومطالبته بجزء من حقه، وهذه الحقيقة الاولى، أن أغلب الفئات التي خرجت بالبداية إلى الشوارع أرادت التغيير والاستفادة من الفرصة التاريخية التي لن تتكرر دائما، وظن السوريين أنهم يمكنهم أن يحصلوا على بعض الحقوق في جمهورية الخوف والشعور لأول مرة بمعنى المواطنة في دولة مافيا تنظر للدولة كمزرعة خاصة ولكل المواطنين كعبيد يعملون بالسخرة ويقبلون بالفتات من حقوقهم لعقود، ولكن هل كانت هناك رؤية واضحة لتحقيق تلك المطالب وخطة بديلة لدوامة العنف المتوقعة من النظام الأسدي؟ وهل كان السوريين حقا مستعدين لنتائج رفع سقف المطالب؟ بالتأكيد أصبحنا جميعا نعلم أن الاجابة هي لا.
وهكذا انتقلت الثورة السلمية بالتدريج إلى مسلحة كردّ منطقي وطبيعي على عنف غير مسبوق حيث واجه الجيش بكل قوته العسكرية التجمعات المدنية وقسم الشوارع والحارات بحواجز عسكرية، بات من الصعب أو شبه مستحيل إعادة التجمعات للضغط باتجاه تحقيق أي من المطالب السابقة، وبذلك ارتفع الخطاب من الإصلاح إلى إسقاط النظام وبالقوة في غياب كامل للأدوات اللازمة لتحقيق الهدف ومن هنا بدء الخطأ الثاني وهو استفراد المعارضة المسلحة بقرار الاعتماد على دعم خارجي إقليمي ودولي لتحقيق الهدف دون التفكير بنتائج هذه القرارات على حياة ملايين من الناس بدأت الثورة بهم وكانت حناجرهم هي السبب في فقدان النظام لتوازنه لأول مرة في تاريخيه.
ولكن ما لبث أن استعاد النظام توازنه بالتدريج مع الخطأ الكارثي الثالث الذي نتج عن التسليح وهو السيطرة على مناطق كاملة وإدارتها بشكل مستقل، من هنا ظهرت مناطق محررة يحكمها الثوار بأسلحة ممولة خارجياً أمام نظام حكم شرعي في عيون العالم والدول حتى التي كانت تدعي أنها صديقة للشعب السوري وداعمة له في ثورته من أجل تحقيق مطالبه في الحرية والعدالة الإجتماعية.
في أواخر العام ٢٠١٣ سيطر الجيش الحر على ثلاثة أرباع سوريا جغرافيا ولكنه لم يملك السماء، فهم غير قادرين على حماية سكان المدن والبلدات من قصف الطيران وحصد الأرواح، وعلى الأرض فشلوا في تقديم نموذج حقيقي لمبادئ الثورة للشعب الذي دفع الغالي والرخيص لتحقيق هذه الغاية، وتحولت المناطق المحررة إلى مناطق تحكم من قبل عشرات الفصائل المتناحرة والتي تعمل بأوامر الدول الداعمة لها دون اي تفكير بمصلحة الشعب الذي تعرض للنزوح عشرات المرات بسبب معارك جانبية غير مجدية ولا تصب في الصالح العام الذي يتمثل بالتخلص من النظام بل على العكس تحولت تلك الفصائل إلى إدارة مناطق لا أكثر واستعراض عضلات من خلال العروض العسكرية التي تبخرت في المعارك الاخيرة عندما بدأ النظام بالسيطرة مجددا على المدن واحدة تلو الاخرى، وأغلب الأحيان بتسويات أنقذت الفصائل قياداتها وأموالها وتركت ما تبقى من الشعب تحت حكم النظام من جديد وبأحسن الاحوال تحول الأغلبية إلى لاجئين في دول الجوار ، وعاما بعد عام عندما لفظت كل دول العالم السوريين ولم يعد أحد يرغب في استقبال المزيد نصبت تلك الخيم في العراء السوري لتختصر ثورة الكرامة وحلم الشعب في خيمة.
فهل سنكتفي بعد كل تلك الحقائق التي قطف ثمار فشلها الشعب المكلوم بالعودة للمربع الأول حيث نحمل النظام المسؤولية الكاملة ونغض بصرنا عن الأطراف التي ساعدته في قمع ثورتنا وانحرافها عن أهدافها؟
رغم كل الخسارات حان الوقت للملمة الجراح وترتيب “سوريتنا” بأنفسنا، وأن نعترف بأخطائنا ونحاول أن نصلحها، ونعمل بجد على أن نملك قرارنا مهما كانت الامكانيات ضعيفة ومحدودة ستعود بالفائدة على المدى الطويل عندما نحدد أهدافنا ونتعلم كيف نساهم بخبراتنا واموالنا القليلة لدعم بعضنا وخصوصا أطفال المخيمات وعائلاتهم ويجب أن يكون العمل لأجلهم في سلم أولوياتنا، عندما نعمل كسوريين بكل طاقتنا سنجبر دول العالم أن تعترف أن تلك الخيام ليست وطناً بديلاً ولن تكون.
Sorry Comments are closed