لفترة ما ظن الكثيرون وخاصة المرتبطين بمحور (المقاومة والممانعة ) أن إيران باتت قوة لا تقبل المنازعة في الشرق الاوسط وأنه يجب لأي دولة تنازعها هذه المكانة أن تحسب ألف حساب قبل ذلك، يبدو أن هذا الكلام كان يتردد صداه أيضاً داخل أروقة صنع القرار الإيراني، وبالتالي اقتناع قادة إيران بأن مكاسبهم التي حققوها إبان حقبة أوباما وإدارته الضعيفة سيستمر لذلك، بدأوا سياسة جديدة تعتمد على استفزاز الخصوم ومتابعة ردود أفعالهم، بذات الوقت كانت القيادة الإيرانية تبحث عن مخرج لمأزق العقوبات والحصار الإقتصادي الذي وضعتها فيها الولايات المتحدة عبر سلسلة من العقوبات السياسية والإقتصادية، لذلك كان الهروب إلى الأمام هو أحد البدائل المتوفرة أمام قادة إيران وخاصة قاسم سليماني والذي بدى يمارس دور المندوب السامي في العراق وسوريا ويمسك بالملفات الخارجية الإيرانية وهو ما أشعل صراعاً داخل الإدارة الإيرانية نفسها بين جواد ظريف وسليماني انتهت بتحجيم دور ظريف مقابل تعاظم دور سليماني.
سياسة الهروب إلى الأمام تزامنت مع إدراك الساسة الإيرانيين أن ترمب لن يخوض حرباً طويلة الأمد لأسباب تتعلق بسياساته تجاه المنطقة ولاستراتيجيته في إدارة الأزمات، لذلك بدأت إيران بالتحرش بمصالح الدول المرتبطة بالمحور الأمريكي وفق سياسة متصاعدة بدأت بتحدي الحصار المفروض عليها ومن ثم بالظهور المتكرر لقاسم سليماني في عواصم الدول التي تسيطر عليها إيران وصولاً لاستهداف حقول النفط والغاز في الخليج، ومن ثم إسقاط طائرة أمريكية بدون طيار.
عدم الرد الأمريكي جعل إيران مطمئنة أكثر بأن سياساتها في المنطقة ستمر دون عقاب وأن الصدام معها ليس من أولويات إدارة ترمب لذلك عملت على توسيع تدخلاتها في المنطقة واجتياز الخطوط المسموحة من خلال العمل على تحقيق الربط بين دمشق بغداد مما استدعى استهداف رتل للحشد الشعبي العراقي ومقتل أحد أبرز قيادييه وهو ما تسبب برد فعل عراقي مدعوم إيرانياً وغير محسوب العواقب بمهاجمة السفارة الأمريكية في العراق رافقته حملة إعلامية تستهدف صبر الولايات المتحدة بتذكيرها بمهاجمة السفارة الأمريكية في طهران ومهاجمة مقر المارينز الأمريكي في بيروت قبل 40 عاماً، الأمر الذي عجل بالقرار الأمريكي بمحاسبة إيران على خروقاتها المتكررة وبالتالي كان لا بد من رد يتناسب مع طبيعة الخرق الإيراني من جهة وقوة وكبرياء الولايات المتحدة من جهة أخرى وهو ما كان باستهداف الرجل الثاني في إيران ومهندس سياستها الخارجية الجنرال قاسم سليماني.
الرد الأمريكي كان مفاجئاً وأربك القيادة الإيرانية وجعلها في حيرة من أمرها حول كيفية الرد وطبيعته ومكانه وتوقيته، فهي باتت أمام ثلاث خيارات صعبة، إما عدم الرد وبالتالي تخسر هيبتها أو الرد بقوة وهو ما سيجعل احتمالية الرد المقابل أكيدة وبالتالي الاتجاه نحو حرب مفتوحة، الثالث هو الاعتماد على الوضع الدولي المأزوم والمرتبك والذي لايريد حدوث أي حرب في المنطقة من خلال رد لا يحرج الولايات المتحدة ويحفظ ماء وجه إيران ولو مؤقتاً وهو ما حصل حين أطلقت إيران صواريخ لا فاعلية لها نحو قاعدة عين الأسد ولم تلحق بها أي أضرار وهو الحل الوسط الذي تقبل به أمريكا التي لا تريد أيضاً دخول حرب مفتوحة في ظل صراع سياسي داخلي وانتخابات رئاسية على الأبواب ورئيس يحسب الخسارة قبل الربح، لم يبحث ترمب عن سياسة الربح مقابل الخسارة بل اعتمد على الأكثر ربحاً والأقل خسارة، لذلك اختلفت طبيعة الرد والتي جعلت الإيرانيين مجدداً في حالة إرباك واستنفار من خلال التهديد برد دون تحديد مكانه وزمانه، هذا الإرباك أدى لخلافات داخل مؤسسة الجيش تمثلت بإسقاط الطائرة الأوكرانية والتي زادت في الطين الإيراني بلة، حاولت السلطات الإيرانية الهروب من الاعتراف بإسقاط الطائرة إلا أنها وأمام الضغط الدولي اضطرت للاعتراف مما يعني معاناة جديدة وضغوطاً جديدة تتجلى بطلبات تعويض لذوي الضحايا مما سيرتب خسائر أخرى في الاقتصاد الإيراني المتهالك أصلاً، وهو ما تلقفه الشارع الإيراني ليعود لانتفاض مجدداً بوجه خامنئي والسلطة في إيران محملاً إياها مسؤولية ما يعانيه الشعب من حصار وجوع وهو ما يزيد في إرباك السلطات الإيرانية وربما سيدفعها لارتكاب حماقات جديدة تزيد من تعقيد الوضع وربما سيؤدي لتفكك في السلطة الايرانية التي قد تلجأ للإطاحة ببعض رموزها لامتصاص غضب الشارع وقد يكون قائد الحرس الثوري الجنرال حسين سلامي وقائد القوى الجوية (الفضائية) والدفاع الجوي الجنرال على حاجي زادة أبرز هذه الوجوه.
عذراً التعليقات مغلقة